قال الفاكهي
)حدثني أبو العباس، أحمد بن محمد عن خلاد الجعفي، قال: ثنا زهير، عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: إن عائشة رضي الله عنها - حملت من ماء زمزم في القوارير للمرضى، وقالت حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأدواء والقرب وكان يصبه على المرضى ويسقيهم.
كما ذكر الفاكهي أيضاً قال: حدثني أبو العباس عن حسن بن الربيع عن مسلم أبي عبد الله عن الحسن الجفري عن حبيب قال: قلت لعطاء: آخذ من ماء زمزم؟ قال: نعم، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله في القوارير، وحنك به الحسن والحسين رضي الله عنهما بتمر العجوة.
أسماء زمزم:
زمزم( ) بفتح الزاي وسكون الميم وتكرارهما قيل سميت زمزم لكثرة مائها، وقيل إن هاجر قالت عندما انفجر ماء زمزم: زم زم، بصيغة الأمر أي أنم وزد كما قيل أيضاً، إنها سميت بذلك لأن الفرس في الزمن الأول كانت تأتي زمزم فتزمزم عنده.
وقد تعددت أسماء زمزم وهو ما يدل على علو الشأن.
يقول الشاعر( ):
واعلم بأن كثرة الأسامي دلالة أن المسمى سام روى الفاكهي( ) عن أشياخ مكة فقال: إن لها أسماء كثيرة فمن أسمائها زمزم: لصوت الماء فيها أو لكثرة مائها، يقال ماء زمزم أي كثير، أو لزمزمة جبريل وكلامه. همزة جبريل: لأنها هزمته في الأرض.
ظبية: بالظاء المعجمة والباء الموحدة على مثل واحدة الظبيات. سميت بها تشبيهاً لها بالظبية وهي الخريطة لجمعها ما فيها قاله ابن الأثير في النهاية.
طيبة: سميت به لأنه للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم وإسماعيل عليه السلام، قاله السهيلي.
بره وعصمه: لأنها فاضت للأبرار وغاضت عن الفجار. مضنونه: لأنه ضن بها على غير المؤمنين فلا يتضلع منها منافق.
قاله: وهب بن منبه.
شباعه للعيال: لأن أهل العيال في الجاهلية كانوا يغدون بها عيالهم فينيخون عليها فتكون صبوحاً لهم.
عونة: سميت به لكونهم كانوا يجدونها عونا على عيالهم. سقيا الله إسماعيل: لكون مكة لم يكن بها ماء لسيدنا إسماعيل فسقاه الله بها.
بركه: بفتح الراء وما قبلها. سيده: لأنها سيدة جميع المياه.
نافعة: لنفعها للمؤمنين.
بشرى
صافية: لصفائها.
معذبة: بسكون العين وكسر ما بعدها من العذوبة لأن المؤمن إذا تضلع منها يستعذبها أي يستحليها كأنها حليب على ما هو ظاهر.
طاهرة: لعدم وضعها في جوف غير المؤمن وعدم وصولها في أيدي الكفرة، أو لأن الله طهرها بقوله: وسقاهم ربهم شراباً طهوراً.
حرمية: لوجودها بالحرم.
مروية: لأنها تسري في جميع أعضاء البدن فيتغذى منها كما يتغذى من الطعام.
سالمة: لأنها لا تقبل الغش.
ميمونة: من الميمنة وهي البركة والسنة.
مباركة: لأن ماءها لا ينفد أبداً لو اجتمع عليه الثقلان ولم ينزح.
كافية: لأنها تكفي عن الطعام وغيره.
عافية: لأن من يشرب منها لا يهزل.
طعام طعم: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث إسلام أبي ذر أنها مباركة، أنها طعام طعم. (رواه مسلم وأبو داود)
مؤنسة: لأنس أهل الحرم بها.
شفاء سقم: لأن الإنسان إذا أصيب بمرض بمكة المكرمة فدواءه ماء زمزم مع نيته الصالحة.
ويقول الفاكهي أيضاً
)أعطاني أحمد بن محمد بن إبراهيم كتاباً ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه، فقالوا: هذه تسمية أسماء زمزم. هي زمزم، وهي: هزمة جبريل عليه السلام، وسقيا الله إسماعيل عليه السلام - لا تنزف ولا تذم، وهي بركه وسيدة، ونافعة ومضنونة، وعونة، وبشرى، وصافية وبره، وعصمة، وسالمة، وميمونة، ومباركة، وكافية، وعافية، ومغذية، وطاهرة، ومقداة، وحرمية، ومروية، ومؤنسة، وطعام طعم، وشفاء سقم.
وأنشدنا الزبير بن أبي بكر لبعضهم:
طعام طعم لمن أراد ومن يبغي شفاء شفته من سقم
فوائد الشرب من ماء زمزم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال( ) كان أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا سبقوه، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه، حتى رغبوا عن ماء زمزم فأصابهم المرض في أرجلهم. (أخرجه أبو ذر)
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته ليشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمه جبريل وسقيا الله إسماعيل.
أخرجه الدارقطي وسعيد بن منصور موقوفاً، وأخرجه أحمد
وابن ماجه منه مرفوعاً: ماء زمزم لما شرب له، من رواية جابر. فمما لا شك فيه أن للشرب من ماء زمزم فوائد كثيرة فعليك يا أخي المسلم أن تشرب وتتضلع منه لأنه أفضل ماء على وجه الأرض.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن( ) النبي صلى الله عليه وسلم: {خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم}.
وعن( ) ابن خيتم قال: قدم علينا وهب بن منبه فاشتكى فجئناه نعوده فإذا عنده من ماء زمزم قال: فقلنا له: لو استعذبت فإن هذا الماء فيه غلظ. قال: ما أريد أن أشرب حتى أخرج منها - غيره. والذي نفس وهب بيده أنها لفي كتاب الله تعالى: (زمزم لا تنزف ولا تذم)، وإنها لفي كتاب الله (بره، شراب الأبرار) وإنها لفي كتاب الله: (مضنونة) وإنها لفي كتاب الله تعالى: طعام طعم وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها حتى يتضلع إلا نزعت منه داء وأحدثت له شفاء. (أخرجه سعيد بن منصور والأزرقي)
فهذه الأخبار مما تؤيد صحة حديث: {ماء زمزم لما شرب له}، وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها( )، فقد ورد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه شربه للعلم والفقاهة، فكان أفقه زمانه.
وقال البكري رحمه الله تعالى وأنا قد جربت ذلك فوجدته صحيحاً على أنني لم أشربه إلا على يقين من هذا وتصديق بالحديث. انتهى.
كما صح عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه( ) أنه شربه للعلم فكان فيه الغاية وشربه للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف وغيره فكان أحسن أهل عصره تصنيفاً.
وفي مناسك ابن العجمي( ) والبحر العميق للقرشي نقلاً عنه ينبغي لمن أراد شربه للمغفرة أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني أن رسولك صلى الله عليه وسلم قال: {ماء زمزم لما شرب له} اللهم وإني أشربه لتغفر لي، اللهم فاغفر لي.
وإن شربه للاستشفاء به من مرض قال: اللهم إني أشربه مستشفياً به، اللهم فاشفني.
بركة وفضل ماء زمزم:
أجمع العلماء على أن ماء زمزم أفضل من جميع المياه على الإطلاق، وقد ورد في فضل وبركة ماء زمزم أحاديث نبوية كثيرة وروايات عن الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح.
عن أنس بن مالك( ) رضي الله عنه {كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً، فأفرغهما في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل}.
ذكر( ) شيخنا الحافظ العراقي أن حكمة غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ليقوى به صلى الله عليه وسلم على رؤية ملكوت السموات والأرض والجنة والنار لأن من خواص ماء زمزم أنه يقوي القلب ويسكن الروع. (انتهى).
وعن ابن عباس قال
)صلوا في مصلى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار. قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب، قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم.
ويروي أبو ذر رضي الله عنه قصة قدومه إلى مكة واستخفائه بها حين أسلم فيقول: {وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وصلى، فلما قضى صلاته قال أبو ذر: فكنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، ثم قال: من أين أنت؟ قلت: من غفار. قال: متى كنت ها هنا؟ قال: قلت: قد كنت ها هنا من ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: فمن كان يطعمك؟ قال: قلت: ما ( كان لي طعام إلاماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكنى، وما أجد على كبدي سخفة جوع( )، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها مباركة، إنها طعام طعم}، أخرجاه وأخرجه أبو داود الطيالسي، وزاد: وشفاء سقم.
وعن أم أيمن( ) حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنه صلى الله عليه وسلم ما اشتكى جوعاً قط ولا عطشاً، كان يغدو إذا أصبح، فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغذاء فيقول: أنا شبعان}. (رواه القرشي)