معالم في المنهج التربوي النبوي ــــ الشيخ حسين يعقوب
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد
فإن تكامل الشخصية النبوية لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جعلت منه الحاكم والقائد والزوج والمعلم والداعية والمربي..
وما
تتبع قارئ للقرآن الكريم والسيرة النبوية إلا وجد فيهما عناصر التفوق
ووسائل النجاح من خلال الكثير من المواقف التربوية الراقية التي هي القدوة
الحسنة لكل راغب في الوصول إلى الحق.
وعن طريق هذا المنهج ينشأ الإنسان الصالح ومن ثم المجتمع الإسلامي الكريم.
وهنا
نماذج وصور من ((المنهج التربوي النبوي))، نقربها للقارئ الكريم تذكيراً
وترغيباً في هذا المنهج المتكامل الذي أرسل الله به نبيه للناس كافة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وكم نحن بحاجة للوقوف أمام هذه المعالم النبوية وتمثلها في حياتنا وسلوكنا؛ إذ هي السر في تميز الرعيل الأول رضي الله عنهم أجمعين.
1- الصبر وطول النفس:
يسهل
على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في
دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر
وبعد آخر؛ ذلك أن الناس بشر، لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد؛ فتراه
تارة هنا وتارة هناك، تارة يرضى وتارة يسخط..
ولهذا أجمع المختصون بأن
(الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة)، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة؛ فكيف
بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه؟
ومن يتأمل
سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل
المبارك؟ وكم فترة من الزمن قضاها؟ وكم هي المواقف التي واجهها؟ ومع ذلك
صبر واحتسب، وكان طويل النفس بعيد النظر، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة، وهل هناك من هو أعلى شأناً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الأنبياء..
- فها هم يتنزل فيهم في (بدر): {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]
- وفي (أحد): {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران: 152]
- وفي (حنين): {وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم
مُّدْبِرِينَ}[التوبة: 25]
- وحين قسم غنائم حنين، وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا.
- وكان يخطب فجاءت عير، فتبعها الناس، فنزل فيهم قرآن يتلى.
ومع
ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة، وهو المثل الأعلى للناس في هذه
الدنيا، ولن تكون هذه المواقف سبباً للحط من شأنهم ومكانتهم رضوان الله
عليهم.
لكن كيف بمن دونهم؟! بل لا يسوغ أن يقارن بهم.
إن ذلك يفرض على المربي أن يكون:
طويل النفس، صابراً، عالي الهمة، متفائلاً.
2- الخطاب الخاص:
فكما كان يوجه الخطاب لعامة أصحابه، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه.
-
فقد كان من هديه صلى الله عليه و سلم حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء
ويخطب فيهن، كما روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله
عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء
ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القُلْب والخُرْص.
- بل
تجاوز الأمر مجرد استثمار اللقاءات العابرة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال؛
فاجعل لنا يوماً من نفسك.. فواعدهن يوماً، فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان
مما قال:
«ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار»
[size=25] فقالت امرأة: واثنين فقال: «واثنين».
-
وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم، كما فعل في غزوة حنين حين دعا
الأنصار، وأَكَّدَ ألا يأتي غيرهم، وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا
الناس شيئاً.