وتوحيد الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى- فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ -تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛ فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال (: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال (: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال (: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
* العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله، وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال (: (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال (: (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
* القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها، والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي، ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول ( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال (: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم . الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو -سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].