هل القيمة الخلقية نسبية أم مطلقة ؟
مقدمة / إذا تأملنا تصرفات الناس ، نجدأن كل واحد من
أفراد المجتمع يتصور
الخير و الشر من زاوية مختلفة ، فما يراه العضخير و فضيلة ، يراه
آخرون شر و رذيلة
، فندرك أن هناك مشكل في الأخلاق يستدعي مناالبحث و التأمل ، و لا يمكن أن نكون تصور واضح عن
هذا المشكل الا بالنظر الى مواقفالفلاسفة : فهل القيمة الخلقية نسبية متغيرة أم مطلقة ثابتة؟
طرح القضية الاولى / القيمة الخلقية نسبية ومتغيرة لأن أساسها المنفعة و المجتمع
و كلاهما متغير و نسبي
الأساسالنفعي ( مذهب اللذة) / مصدر القيمة الخلقية
(المنفعة) بمعنى أن
الخير هو اللذةو الشر هو الالم و العبرة بالنتائج و ليس بالمبادئ ،
و الدليل على ذلك
واقعي حيث أنالناس يميلون الى اللذة و ينفرون من الألم بحكم طبيعتهم ..يقول أرستيب القورينائي Aristippe (435-355) مؤسس مذهب اللذة ، (اللذة صوت الطبيعة )، و يجب الحصول عليهابكل الطرق ، و أن
إشباع الغرائز
ضروري لأنها المحرك الأساسي للأفعال الإنسانية
أبيقــــورEpicure يرى
أن الخير في سكينة النفس ، فهي أفضلو أولى لأنها دائمة يمكن إحياؤها في الذاكرة كل
مرة و هكذا نكون سعداء رغم ناءأجسامنا ، مثل لذة المعرفة ، و المطالعة ، و المحبة و الصداقة
، و يدعو الى اجتناباللذات
التي تنتهي بألم ، مع قبول الألم الذي يؤدي إلى لذة
بنتــــام
Benthame حول اللذة إلىالمنفعة العامة ، فوضع بذلك
مسلمتين للفعل
الأخلاقي ، مسلمة فردية تقول بأن لكل فردالحق في الحكم على لذته ، و
مسلمة جماعية
تقول أن اللذة اذا اتحدت شروطها أصبحتواحدة بالنسبة للمجتمع ، فربط بنتام بين خير الفرد و خير
الجماعة .و وضع سبعة أبعادلقياس اللذة و هي الشدة المدة النقاء الخصب القرب اليقين الامتداد أي
شمول اللذةلأكبر عدد من الناس
نفس المبدأ يدافع عنه ج س ميل J.S.Mill فالمنفعة هي المبدأالاخلاقي
الذي يفضي الى تحقيق أكبر سعادة ممكنة ، فالخير ما هو نافع لنا و لغيرنا (المنفعة
المتبادلة). كما اهتم ميل Mill بنوعية اللذات لا كميتها يقول " من الأفضلأن أكون إنسانا شقيا من ان
أكون خنزيرا متلذذا" و ما دانت المنفعة متغيرة و مختلفةمن شخص لآخر كانت القيمة الخلقية
نسبية
الأساس الاجتماعي/ إن أساسالقيم الخلقية هو (المجتمع) ،
فالخير ما يتماش مع
العرف الاجتماعي ، و الشر مايتنافى معه ، هذا ما تراه المدرسة
الوضعية مع اميل
دوركايم ،E.Durckeime و ما يدعمهذا الموقف
هو أن الفرد كائن اجتماعي بالطبيعة ، لا يستطيع العيش خارج الجماعة فهوبمثابة
الجزأ من الكل ، انه مدين للمجتمع بكل مقوماته النفسية و العقلية و السلوكية، يتأثر ببيئته ، و يتصرف حسب الجماعة التي ينتمي
اليها فلولا الغير لما كان بحاجةالى أخلاق .
إنالطفل يكون فكرته عن الخير والشر بالتدريج اعتمادا على
أوامر و نواهي
أفراد مجتمعه ، سواء في الاسرة او المدرسةيقول دوركايم " عندما
يتكلم ضميرنا فان
المجتمع هو الذي يتكلم فينا " بمعنى أنالضمير الفردي ما هو الا صدى للضمير الجمعي . و على
هذا الأساس لا يمكن للفرد انيبتكر لنفسه قيما و أخلاقيات بل يأخذها جاهزة من المتجر الاجتماعي كما
يأخذ ملابسهمن النحل التجاري ،
و يرى ليفي برول L.Bruhl أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية ،
تنضمالعلاقة مع الغير
و تمنح قوانينها للفرد بواسطة التربية ، و الخير و الشر يتحددانبمدى اندماج الفرد في الجماعة أو
عدم اندماجه فيها . فالاندماج هو مقياس الخير ،وعدم
الاندماج هو مقياس الشر . و بما أن لكل مجتمع عادات و تقاليد و نظم خاصة كانتالقيمة الخلقية أيضا
نسبية و متغيرة
النقـــــــد/ رغم أن الناس تدفعهم طبيعتهم النفعية الى وضع المصلحة فوق كل اعتبارغير
أن هذا ليس مبررا كافيا يجعل المنفعة مقياسا للسلوك الأخلاقي ، كونها خاصيةذاتية تختلف
باختلاف الميول و الرغبات ، فاذا خضع الناس لها اصطدمت مصالحهم بعضهاالبعض ، و عمت الفوضى في
المجتمع فما ينفع البعض قد يضر بالبعض الآخر ، و ليس كلشيئ فيه لذة خير بالضرورة
و للمجتمعتأثير في الفرد ، لكن هذا لا يعني أن كل ما
يقوله المجتمع أخلاقي
بالضرورة ، و الاكيف نفسر لجوء المصلحين إلى تغيير ما في مجتمعاتهم
من عادات بالية و
قوانين جائرة ،و كيف نفسر اختلاف أفراد المجتمع الواحد في أخلاقهـــــــــــــــــم.
طرح القضية الثانية / القيمة الخلقية مطلقة و ثابتة لأن أساسها العقل والشرع
*الأساس العقلي / ان أساس القيمة الخلقية هو العقل
،فالخير ما يتطابق مع
أحكام العقل ، و الشر ما يخضع لحكم الغرائز و الشهوات العمياء، و
يتعارض مع الواجب
. قال أفلاطون "
Platon ( الفضائل ثلاث: الحكمة فضيلة العقل ،و العفة فضيلة
القوة الشهوانية ، و الشجاعة فضيلة القوة الغضبية ) و الحكمة رأسالفضائل كلها لأنها تحد من طغيان الشهوة و تلطف
الغضبية ، و اذا خضعت الالقوةالشهوانية للغضبية ، و الغضبية للعقل تحقق في النفس الانتظام و التناسب و يسميأفلاطون حالة
التناسب هذه بالعدالــــة.
و ذهب الفيلسوف الالماني كانط Kant الىتقدير الفعل من خلال مبادئه و
نيّة فاعله ، فالخير ما يسير بمقتضى الواجب الذييمليه الضمير ، و يكون نابعا من الارادة الخيرة و الشر ما
يتعارض مع الواجب يقول ( أن القيمة الخلقية للفعل تكمن في مبدأ الارادة الخيرة ، بغض النظر عن ما
ينتج عنالفعل من كسب أو خسارة ) : ، لذلك ميز كانط بين نوعين من الأوامر : الأمر الشرطي ،المرتبط بالمنافع ، فيفقد بذالك قيمته
الخلقية كأن نقول قل الصدق حتى يثق فيك
الناس،. و الأمر المطلق (القطعي) المنزه من كل مبدأ نفعي ، و
المستجيب لصوت الضمير
يحملالخير في ذاته كأن نقول كن صادقا . أو كن أمينا ، هو الواجب من اجل الواجب و لايتغير مع
النتائج ، إذ لا يعقل أن يصبح ذات يوم الصدق شر ، و الكذب خير ، أو تصبحالأمانة رذيلة و الخيانة
فضيلة ، فالأخلاق مبادئ ثابتة و مطلقة ..