عالم الجن 1- وجوب
الإيمان بوجود الجن. 2- حقيقة
الجن. 3- الجن
مطالبون بالتكاليف الشرعية. 4- بلوغ دعوة
الرسل إلى عالم الجن. 5- بلوغ دعوة
رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم إلى الجن. 6- أصناف
الجن. 7- عداوة
الشيطان للإنسان. 8- مدى تأثير الشيطان على الإنسان. 9- هل الجن
تخبر بعلوم أو أخبار غيبية أو غير غيبية للإنسان. 10- مصير الجن
في الآخرة. 1- وجوب الإيمان بوجود الجن: أثبت القرآن الكريم في مواضع متعددة وجود
عالم الجن، فوجب الإيمان بوجود الجن إيماناً جازماً.
قال الله تعالى
: {وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56-57].
وقال تعالى:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا(1) مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
فَانفُذُوا(2) لا تَنفُذُونَ إِلا
بِسُلْطَانٍ(3)} [الرحمن: 33].
وقال تعالى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا(4) إِلَيْكَ نَفَرًا
مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا
فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا
إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا
دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 29-31].
______________
(1) تخرجوا هرباً من قضاء الله.
(2) فاخرجوا وهذا أمر للتعجيز.
(3) بقوة وقهر، وهيهات .. !
(4) وجَّهنا إليك يا محمد.
الواجب علينا أن نؤمن بالجن بأنهم عالم
حقيقي ليس وهمياً تخيلياً ولا نفساً بشرية شريرة،وليس هو من البشرية الخبيثة، ولا من نوع الجراثيم
المكروبية الضارة، فإن جميع هذه الأوهام والأفهام حَوْل الجن هي تحريف لكلام الله
عن معانيه المرادة منه، وصرف له عن الوجه المخبَر عنه إلى وجه آخر هو في معزل عنه،
وإنما الجن عالم غيبي حقيقي الوجود له شأنه وأحكامه.
2- حقيقة الجن: قال الله تعالى:
{خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ
صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن: 14-15].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خُلِقَتِ الملائكة من نور وخُلِقَتِ الجانُّ من مارج من نار، وخلق آدم مما
وصف لكم". رواه مسلم.
- فالجن صنف غير صنف الملائكة وغير جنس
الإنسان:
فالملائكة: خلقت من نور.
والإنسان: خلق من طين يابس كالفخار.
والجن: من مارج من نار أي من أخلاط من نار.
والجن مخلوقون قبل الإنسان:
قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ(1) مِنْ
حَمَإٍ(2) مَسْنُونٍ(3) * وَالْجَانَّ
خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ(4)} [الحجر: 26-27].
قال تعالى
:{ وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ
دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50].
ففي أمر سجود إبليس - الذي هو من الجن -
لآدم عليه السلام دلالة واضحة على أن الجن مخلوقون قبل آدم وهو الإنسان الأول.
- الجن يتناسلون ولهم ذرية.
قال الله تعالى:
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50].
فقد نص القرآن على أن له ذرية.
_________________
(1) طين يابس كالفخار.
(2) طين أسود متغير.
(3) مصور صورة إنسان أجوف.
(4) الريح الحارة القاتلة.
وقال تعالى:
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ
مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ(1)
بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا(2)} [الجن: 6].
فحيث كان في الجن رجال ففيهم الإناث، وذلك
يقتضي التناسل.
- إن من شأنهم أن يرونا من حيث لا نراهم وهذا
في شأن خلقتهم الأصلية.
قال الله تعالى
: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ
وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
- إن من شأنهم أن يتشكلوا بصور مختلفة كصورة
إنسي أو حيوان فنراهم عندئذ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام،
فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني فإني محتاج
وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلَّيت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟" فقلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة
وعيالاً، فرحمته وخليت سبيله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد كذبك،
وسيعود" قال أبو هريرة: فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول صلى الله
عليه وسلم، فقال: دعني فأني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله،
فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك
البارحة؟" قلت: يا رسول شكا حاجة وعيالاً فرحمته، فخليت سبيله، فقال:
"أما إنه قد كذبك وسيعود".
وقال أبو هريرة: فرصدته الثالثة، فجاء يحثو
من الطعام، فأخذته، فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث
مرات، إنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت
وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي:
{الله لا إله إلا هو الحي
القيوم ... } حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان
حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما
فعل أسيرك البارحة؟" قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها
فخليت سبيله! فقال صلى الله عليه وسلم: "وما هي؟ " قلت: قال لي: إذا
أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية وقال لي: لن يزال عليك
من الله حافظ، ولا يقربك
______________
(1) يلتجؤون.
(2) إثماً وطغياناً وغياً، وتعباً.
(3) ذريته.
شيطان حتى تصبح، فقال
صلى الله عليه وسلم: "أما أنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا
أبا هريرة؟" قلت: لا، فقال: "ذاك شيطان".
- الجن لهم قدرات كبيرة ومهارات عالية، وقد
أخبر سبحانه عن قوة الجن، وأن منهم العفاريت(1) الأشداء الأقوياء، فسخر لسليمان جنوداً
قوية من الجن تعمل بين يديه يقومون له بأعمال البناء والغوص في البحار والأعمال
الصناعية كالجفان(2) الكبيرة والقدور
الراسية والأعمال الفنية كالتماثيل(3)
والمحاريب إلى غير ذلك من أعمال كبيرة مختلفة.
قال الله تعالى
: {قَالَ عِفْريتٌ مِنْ
الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ
لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].
وذلك أن سليمان عليه السلام لما أراد إحضار
عرش بلقيس(4) إلى مقام سليمان من
مسافات بعيدة، انبرى عفريت من الجن أنه هو يأتيه به قبل أن يقوم سليمان من مقامه،
فهذا التعهد من العفريت الجني والتزامه إحضار ذلك العرش مع قطعه تلك المسافات
الشاسعة دليل على شدته وقوته وقدرته الكبيرة.
قال تعالى:
{يَعْمَلُونَ لَهُ(5) مَا يَشَاءُ مِنْ
مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ(6) وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ(7) اعْمَلُوا آلَ
دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} [سبأ: 13]
وقال تعالى
: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي
بِأَمْرِهِ رُخَاءً( حَيْثُ
أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(9)} [ص: 36-37].
- الجن يأكلون أكلاً لا نعلم كيفيته وماهيته،
وأن الله قد جعل زادهم من العظام وروث البهائم والفحم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا
تستنجوا بالروث ولا بالعظم فإنها زاد إخوانكم من الجن" رواه مسلم والترمذي.
____________
(1) الأقوياء الماكرين الدهاة.
(2) قصاع.
(3) كانت التماثيل جائزة ثم حرمت في الإسلام.
(4) ملكة سبأ في اليمن.
(5) لسليمان.
(6) قصاع كبار كالحياض العظام.
(7) ثابتات على المواقد لعظمها.
(
منقادة حيث أراد.
(9) في البحر لاستخراج نفائسه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما قدم
وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله انْهَ أمتك أن
يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة(1) فإن الله
جعل لنا فيها رزقاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. رواه أبو داود
بإسناد صحيح.
- إن الجن يموتون.
قال الله تعالى:
{وَالَّذِي قَالَ
لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ(2) لَكُمَا
أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ(3) وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي(4) وَهُمَا
يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا
هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(5) * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ
الْقَوْلُ(6) فِي أُمَمٍ قَدْ
خَلَتْ(7) مِنْ قَبْلِهِمْ
مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [الأحقاف: 17-18].
فهذا دليل على موت الجن طائفة بعد أخرى
كالإنس.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
دعائه: "اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا
يموت، والجن والإنس يموتون".
3- الجن مطالبون بالتكاليف الشرعية: الجن مكلفون كما أن الإنس مكلفون بالتكاليف
الشرعية، وقد يختص الجن بأحكام لا يكلف بها الإنس وكذلك قد يختص الإنسان بأحكام لا
يكلف بها الجن، لاختلاف الجنسين عن بعضهما البعض.
قال الله تعالى:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي
وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا
وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].
وقال تعالى إخباراً عن الجن
: {وَأَنَّا
لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ
بَخْسًا( وَلا رَهَقًا (9)} [الجن: 13].
دلت الآيتان على أن الجن مكلفون كتكليف
الإنس، وتوجه الخطاب الشرعي عليهم كما هو في الإنس.
_____________
(1) فحم.
(2) كلمة تضجر وتبرم وكراهيته.
(3) أن أبعث من القبر بعد الموت.
(4) مضت الأمم ولم تبعث.
(5) أباطيل الأولين المسطرة في كتبهم.
(6) وجب عليهم العذاب.
(7) مضت وتقدمت وهلكت.
(
نقصاً في ثوابه.
(9) ولا غشيان ذلةٍ له.
وقال تعالى في شأن الجن:
{وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى
طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا
يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:29-32].
ومما يظهر في هذه الآيات أنهم مكلفون، وأنهم
قالوا لقومهم: يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به، فهم مأمورون بإجابة الرسول
وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر به صلى الله عليه وسلم.
4- بلوغ دعوة الرسل إلى الجن: قال الله تعالى:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي
وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا
وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ
وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 130-131].
فهذا إقرار من الجن والإنس بأن الرسل قد
بلغت وأوضحت وأنذرت، والكافرون منهم يشهدون على أنفسهم بالكفر وأنهم غرتهم الحياة
الدنيا، ثم نبه الله سبحانه وتعالى بعد اعترافهم وإقرارهم بإقامة الحجة عليهم بأن
الله لا يعذب قوماً، لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلاتهم، ويوقظهم من سكراتهم،
ويخرجهم من ظلماتهم حتى لا يبقى عذراً لمعتذر ولا حجة لمن يحتج حتى إذا عذبهم
عذبهم بحق وعدل.
5- بلوغ دعوة رسول الرحمة إلى الجن: إن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم عامَّة
إلى الجن والإنس وقد بلغ رسول الله دعوته إلى الجن دون شك ولا ريب.
قال الله تعالى:
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ
أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ
هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
- وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن
للجن قال الله تعالى:
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ
الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1-2].
قال تعالى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ
نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا
أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:
29].
وهذا يثبت بلوغ دعوته إلى الجن قطعاً، وكان
ذلك عن طريق توافدهم عليه، واستماعهم إليه صلى الله عليه وسلم، وعن طريق ذهابه
إليهم، وقراءته عليهم وسؤالاتهم وجواباته لهم.
عن علقمة قال: سألت ابن مسعود رضي الله عنه
هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا ولكنا كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه، فالتمستاه في الأودية والشعاب!
فقيل استطير؟! أو اغتيل؟!- استفهام تعجبي - قال ابن مسعود: فبتنا بشرِّ ليلة بات
بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حِراء، فقلنا: يا رسول الله فقدناك
فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال صلى الله عليه وسلم:
"أتاني داعي الجن، فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن" (22).
قال ابن مسعود: فانطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه عن الزاد، فقال: "كل عظم
ذكر اسم الله يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام
إخوانكم" رواه مسلم.
وعن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا. فقال:
"لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم! كنت كلما أتيت على قوله -
تعالى -:
{فَبِأَيِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا شيء من
نعمك ربَّنا نكذب، فلله الحمد".
6- أصناف الجن: * الجن أصناف متعددة:
- منهم الصالح وغير الصالح:
قال الله تعالى إخباراً عن قول الجن:
{وَأَنَّا
مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11].
- ومنهم المسلم والكافر:
قال الله تعالى إخباراً عن قول الجن:
{وَأَنَّا
مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ(1) فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا
رَشَدًا(2)* وَأَمَّا
الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:14-15].
{وَشَهِدُوا
عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].
- والجن أصحاب آراء
مختلفة ومشارب متفرقة وطرق متعددة، قال الله تعالى:
{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ
وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (3)} [الجن: 11].
____________________
(1) الجائرون بكفرهم العادلون عن طريق الحق.
(2) خيراً وصلاحاً ورحمة.
(3) مذاهب متفرقة ومختلفة.
-
إبليس من الجن. قال الله تعالى:
{وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ
فَفَسَقَ(1) عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِ} [الكهف:
50].
- الكافر من الجن يسمى شيطاناً قال الله
تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ
وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].
7- عداوة الشيطان للإنسان: قال الله تعالى:
{إِنَّ الشَّيْطَانَ
لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6].
ومن عداوة الشيطان للإنسان:
أنه يزين للإنسان أعماله من كفر وطغيان
وفساد، قال الله تعالى
: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ
قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ
الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 63].
وقال تعالى:
{وَزَيَّنَ لَهُمْ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}[النمل: 24].
وأنَّ الشيطان يثير ويوقع العداوة والبغضاء
بين الناس، ويصد عن سبيل الله.
قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ} [المائدة:
91].
وأنَّ الشيطان يوقع الشرور ويفسد ذات البين:
قال الله تعالى:
{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ(2) بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53].
وأن الشيطان يعد الإنسان بالفقر واليأس
ويأمره بالفحشاء: قال الله تعالى
: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ
وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268].
وأن الشيطان يسعى في تحزين الإنسان: قال
الله تعالى
: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10].
وأن الشيطان يقذف في قلب الإنسان الظنون
السيئة والأباطيل:
عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن صفية
زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته
أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب(3) فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرَّ رجلان من
الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم:
____________
(1) خرج عن طاعة الله.
(2) يفسد ويهيِّج الشر.
(3) لأرجع.
"على رِسلكما(1)، إنها صفية بنت
حُييَّ"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال:" إن الشيطان يجري من
ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً - أو قال شيئاً(2) -" متفق عليه.
وأن الشيطان يوسوس للإنسان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يأتي الشيطان أحدَكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه
فلتستعذ بالله ولينته".
والمعنى فليترك هذا الخاطر الباطل، وليفكر
بالأمر الحق، لئلا يسيطر عليه الشيطان بذلك الوسوسة الفاسدة.
8- مدى تأثير الشيطان على الإنسان: إن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا،
فلا سبيل له عليهم إنما سبيله على الذين اتبعوه قال الله تعالى
: {إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ
الْغَاوِينَ} [الحجر: 42].
عمل الشيطان في نفس الإنسان ينحصر بالوسوسة
الخفية، فالمؤمن يطرد هذه الوسوسة بفضل الإستعاذة بالله والذكر، أما غير المؤمن
فيستجيب لوسوسة الشيطان وينساق إلى طريقه، فيتسلط الشيطان عليه، ويمده في الغيِّ
ويزين له الشر والضلالة.
قال الله تعالى:
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ(3) مِنْ الشَّيْطَانِ
نَزْغٌ(4) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ(5) مِنْ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا(6) فَإِذَا هُمْ
مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ(7) ثُمَّ لا
يُقْصِرُونَ(} [الأعراف: 200-202].
9- هل الجن تخبر بعلوم أو أخبار غيبية أو غير غيبية للإنسان؟ العلوم والأخبار على قسمين:
القسم الأول: علوم تتعلق بالأمور المشهودة
أو الأخبار عن الوقائع الماضية، قد تلقي الجن هذه العلوم، أو علوم لم تبلغنا، وقد
بلغت للجن على قرنائهم من الكهان، ويجب أن لا نثق بكلامهم لأنه لا يوجد مقاييس عند
الإنسان لمعرفة الكاذبين منهم والصادقين.
_________________
(1) مهلكما.
(2) شك من الراوي.
(3) يُصيبنَّك.
(4) وسوسة.
(5) أصابتهم وسوسة ما.
(6) تذكروا أمر الله ونهيه وعداوة الشيطان.
(7) تعاونهم مع الشياطين في الضلال.
(
لا يكفُّون عن إغوائهم.
القسم الثاني: علوم غيبية:
- إمَّا أن تكون استأثر الله بعلمها، وهذا لا
يمكن لنبي مرسل ولا ملك مقرب ولا جني ولا إنسي معرفة شيء منها.
فإذا أخبرت الشياطين وادعت أنه من علم الغيب
مما استأثر الله به فإنه كذب وافتراء على الله.
قال الله تعالى:
{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ} [النمل: 65].
- وإمَّا أن تكون من المغيبات التي قضي أمرها
في السماء وأصبحت معلومة لبعض الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر الذي قضي في السماء، فتسترق
الشياطين السمع فتسمعه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم"
رواه البخاري.
فالجن قد تسترق السمع من الملائكة بعد
نزولها إلى جو الأرض، وتخبر الكهان، ولكن لا نثق بأخبارهم لأن دأبهم أن يكذبوا.
- أمَّا استراق الشياطين السمع من السماء فقد
منعوا منه بالشهب عند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى إخباراً
عن الجن
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا
شَدِيدًا(1) وَشُهُبًا(2) * وَأَنَّا كُنَّا
نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَابًا رَصَدًا(3)} [الجن: 8-9].
ولا يجوز أن يتلقى المرء أيَّ خبر من
الشياطين، وكل من يفعل ذلك فهو آثم عند الله عزَّ وجلَّ.
قال الله تعالى:
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ
عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 -223].
تنبيه: فليحذر المرء من المشعوذين والسحرة الذين
يدعون أنهم يعرفون الغيب، وأنهم يتصلون بالجن، وينسبون إلى الجن النفع والضرر،
فهؤلاء عصاة لله وللرسول، ويريدون أن يلعبوا بعقول السذج من الناس، وأن يستولوا
على المغفلين ضعفاء الإيمان ليضلوهم، وليجعلوا من الشعوذة والسحر والتعامل بالجن
مهنة ومصلحة تدرُّ لهم الأموال الطائلة، فلا يجوز لأي شخص أن يأتي الكهان ليطلع
منهم على بعض الأمور، وقد ورد في الحديث "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد
كفر بما أنزل على محمد".
______________
(1) حرَّاساً أقوياء من الملائكة.
(2) شُعَل نار تنقضُّ كالكواكب
(3) راصداً مترقباً يرجمه.
وليعلم كل امرئ أنه لا ضارَّ ولا نافع إلا
الله سبحانه وتعالى، وأن الجن لا يضرون ولا ينفعون إلا أن يشاء الله، ويأذن قال
الله تعالى:
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10].
10- مصير الجن في الآخرة: إن كفار الجن هم في النار يوم القيامة.
قال تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا(1) لِجَهَنَّمَ
كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف: 179].
وقال تعالى:
{ وَتَمَّتْ(2) كَلِمَةُ رَبِّكَ
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]
قال الله تعالى:
{وَلَكِنْ
حَقَّ الْقَوْلُ(3) مِنِّي
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ(4) وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
شبهة: إن الجن خلقوا من نار فكيف تؤثر فيهم
نار العذاب في الآخرة؟
دفعها: لا يلزم من كون الجن خلقوا من نار أن
يكونوا ناراً أو أن النار لا تؤلمهم، فإن الإنس من تراب، ولكن ليسوا تراباً بل
أنشأهم الله تعالى وطورهم وصورهم، ولو أن إنساناً وقع عليه تراب كثيراً وهدم عليه
بيت من التراب لهلك، ومات أو استغاث من الآلام والأوجاع، وهكذا الجن خلقوا من نار
ولكنهم ليسوا ناراً بل أنشأهم الله تعالى وطورهم وصورهم، وإن النار تؤلمهم وتحرقهم
وتعذبهم.
-
وإن مؤمنين الجن في
الجنة.
قال الله تعالى إخباراً عن الجن:
{وَأَنَّا
لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ
بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الجن: 13].
والمعنى من آمن بربه فلا يخاف نقصان الثواب،
ولا الزيادة في العقوبة وهذا نظير قوله تعالى:
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ
الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا(5)} [طه: 112].
وقال تعالى
: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ(6) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ(7) إِنْسٌ قَبْلَهُمْ
وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 56-57].
_______________
(1) أوجدنا.
(2) وجبت وثبتت.
(3) ثنبت وتحقق ونفذ القضاء.
(4) الجن.
(5) نقصان في ثوابه.
(6) قَصَرْن أبصارهن على أزواجهن.
(7) لم يفتضَّهُنُّ قبل أزواجهن أحد.
وقال تعالى:
{حُورٌ(1) مَقْصُورَاتٌ فِي
الْخِيَامِ(2) * فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ *
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 72 - 75].
وهذا مما يشير إلى أن مؤمني الجن في الجنة.
_________________
(1) نساء بيض حسان.
(2) مخدَّرات في بيوت اللؤلؤ.