المسؤولية و الجزاء
مقدمة: يوصف الإنسان بأنه كائن أخلاقي بحاكم
أفعاله ومن دون شك أن هذا التقييم وهذه المحاكمة نابعة من كون الإنسان مكلفا يشعر
بالإلزام مرة أمام نفسه ومرة أمام غيره وهذا الإلزام يجعلنا نصفه بأنه مسئولا
فماذا نعني بالمسؤولية ؟ ومتى يكون الإنسان مسؤولا؟...الخ.
مفهوم المسؤولية: قد يفهم من المسؤولية في
معناها العام الشائع السلطة وحينها يكون حب المسؤولية مساويا لحب السلطة أو كأن
يقال جاء المسؤول الفلاني أي من يشغل منصبا معينا بيده الحل و الربط - لكن هذا
المعنى يبدو سطحيا و ضيقا فهو لا يكشف عن طبيعة المسؤولية كما يجعلها من اختصاص
أفراد دون آخرين.
أما لغة فالمسؤولية مشتقة من السؤال وهي تعني من كان في وضع السؤال والمساءلة.
وفي الاصطلاح: وهي الوضع الذي يجب فيه على
التفاعل أن يسأل عن أفعاله - أي يعترف بأنها أفعاله و يتحمل نتائج هذه الأفعال
وكما يقال باختصار:- هي "التبعية التي تلزم عن الفعل".
شرطا المسؤولية: إن قراءة التعريف السابق تكشف على أن الوضع الذي يكون فيه الفاعل
مسؤولا عن أفعاله هو وضع مشروط و ليس مطلقا.
وهذا يعني أن المسؤولية لا تقوم إلا بشرطين هما:
العقل: ومعناه القدرة على التمييز في الأفعال
بين حسنها وقبيحها وهذا الشرط يستثني بالضرورة الطفل الصغر الذي لم يبلغ سن الرشد
و لم تسمح له مداركه معرفة الخير والشر, كما تستبعد الدواب والبهائم لأنها فاقدة
أصلا لهذه الخاصية وهذا ما يجعل المسؤولية ظاهرة إنسانية.
الحرية: ونعني بذلك قدرة الفرد على القيام
بالفعل وقد اتخذ المعتزلة من التكلف دليلا على الحرية الإرادة و هذا يكشف عن
ارتباط الفعل بحرية صاحبه- وهذا الشرط يستثني الواقع تحت إكراه كالعبد.
أنواع المسؤولية: إن القراءة المتأنية دوما
للتعريف السابق تدفعنا إلى سؤال ما هي السلطة التي يكون الإنسان مسئولا أمامها؟
هناك مواقف يكون الفرد مسؤولا أمام نفسه و لا يحاسبه القانون على ذلك كان لا يفي
الفرد بوعد قطعة على نفسه ' وهناك مواقف يكون الفرد مسؤولا ليس أمام نفسه فقط: بل
أمام الغير سواء من خلال العرف أو القانون. وتبعا لذلك فالمسؤولية نوعان :
-1 مسؤولية أخلاقية :
وهي التي يكون فيها الفاعل أمام سلطة الضمير الأخلاقي
ذاتية داخلية أساسها المطلق النية
أو الباعث فقد يبدو لنا أن الشخص مجرما سفاحا وهو يشعر في قرارة نفسه بأنه ليس
كذلك
الجزاء فيها شعوري نفسي
الجزاء فيها ثنائي ثواب وعقاب
-2 مسؤولية اجتماعية
وهي التي يكون فيها الإنسان أمام سلطة المجتمع
موضوعية
خارجية
أساسها نتيجة الفعل بالدرجة الأولى وخاصة في المسؤولية المدنية التي لا تنظر إلا
إلى الضرر
-الجزاء فيها مادي تعويض أو قصاصا أو هما معا
الجزاء فيها.....يغلب عليه طابع العقابد
رغم هذا التمايز إلا آن التداخل بينهما قوي فالمسؤولية الأخلاقية أساس للمسؤولية
الاجتماعية في نظر الأخلاقيين على الأقل إذا لا يستطيع الإنسان أن يتحمل نتائج
أفعاله أقام الآخرين , إذا لم يكن لديه شعورا بالمسؤولية . بينما ينظر الاجتماعيون
إلى أن المسؤولية الاجتماعية هي الأساس بحكم أن الشعور الأخلاقي (الضمير) هو نتيجة
حتمية للنشأة والتربية وهو انعكاس للواقع الاجتماعي .
مشكلة وظيفة الجزاء
ضبط المشكلة: لا يختلف اثنان على أن الجزاء هو
النتيجة الطبيعية لكون الإنسان مسؤولا لا يتحمل تبعات فعله أو كما يقال هو ما
يستحقه الفاعل من ثواب أو عقاب, على أن الجزاء في المسؤولية الاجتماعية يأخذ في
الغالب طابع العقاب, بمعنى إذا تم خرق القانون و الاعتداء على حقيقة الغير
وممتلكاتهم اعتبر الفاعل جانيا مجرما وجب عقابه جزاءا لجنايته أو جرمه.
لكن تقدم العلوم الإنسانية و الاهتمام بالسلوك الإجرامي و البحث في أسبابه حول
الأنظار إلى وظيفة الجزاء أو العقاب و طرح السؤال التالي: لماذا نعاقب الجاني إذا
جنى و المجرم إذا أجرم هل نعاقبه لاعتبارات أخلاقية أو الاعتبارات اجتماعية
إصلاحية ؟ بمعنى هل الغاية من العقاب هي إحقاق وإنصاف العدالة أو الغاية من
اجتماعية هي الإصلاح والعلاج والمداواة وكف الجريمة ؟
التحليل:
أولا: النظرية العقلية الأخلاقية والمثالية والكلاسيكية
داب الفلاسفة المثاليون منذ القيد على النظر الإنسان بوصفه كائنا متميزا عن غيره
من الكائنات وهو يتميز بخاصتين جوهريتين تشكلان إنسانية وكينونة أولهما العقل
وثانيهما الحرية والقدرة على الاختيار ولما كان كذلك فهو مسؤول بشكل مطلق يتحمل
نتائج أفعاله كاملة وبموجب هذه المقدمات يكون الجزاء ضروري في جميع الأصول و
الغاية منه بالاساس: هي إحقاق الحق وإنصاف العادلة الأكثر و لا اقل ويقصد بإحقاق
الحق, أن الجاني يأخذ جزاءه بوصفه إنسانا يستحق أن تلتحق به نتائج أفعاله وفي هذا
السياق يؤكد العقلانيون منهم كانط أن الجزاء حق من حقوق الجاني لا ينبغي إسقاطه
احتراما لإنسانيته أما إنصاف العدالة فتعني الحرص على المساواة أمام القانون إذ لا
ينبغي النظر إلى الفاعل ومن يكون ؟ وما هي ظروفه؟ ثم المساواة بين الجرم و العقوبة
إذ لا ينبغي أن يكون الجزاء أكثر أو اقل من الفعل, وفي جميع الأحوال لا محل
للبواعث و الأسباب, لقد قال افلاطون قديما :"أن الله بريء و أن البشر هم
المسؤولون عن اختيارهم الحر , والى شيء من هذا يذهب كانط غلى أن الشرير مختار الله
بإرادة حرة ."
النقد: من الضروري أن يلحق الفعل بفاعله, وان
يتحمل الفرد نتائج أفعاله و لكن الإصرار على وصف الإنسان بالكائن المتميز الحر و
العاقل الذي لا يخضع فيه تجاهل للواقع وضغوطه وهو ما يدفع باستمرار إلى طرح السؤال
هل من المنطقي والمعقول أن يختار الإنسان بعقله وحريته الشر مجانا؟
يعتقد الحتميون أن المجرم مجرم بالضرورة وطبقا لصرامة التفكير ولك بصفة عامة على
؟انه محصلة حتمية لأسباب سابقة و يصدق ذلك بشكل أو في على جريمة فهي ظاهرة طبيعية
تربط بأسباب موضوعية يكفي كشفها و ضبطها وتحدد الوسائل التي نحد بها من تأـثيرها
حتى تختص الجريمة بشكل تلقائي وحتمي و عليه فالجزاء كجزاء لا معنى له بل ينبغي
الكف وطلاقا عن توظيف مفاهيم مثالية نظرية ميتافيزيقية في مجال العلم وإذا اقترضنا
انه من الضروري أن نعاقب فلا يكون العقاب هدفا في حد ذاته بل يهدف كف الجريمة
والقضاء عليها كحال المجرم بالعادة في نظر لومبروزو الذي ينبغي ا استئصاله ونفيه
وعزله عن المجتمع أو حال المجرم بالضرورة الذي لا آمل و لا رجاء في علاجه أو إصلاح
حاله إذ ينبغي القضاء عليه قبل ارتكاب الفعل وهو نفس الشيء الذي يسميه الاجتماعية
وان وإجراءات الدفاع الاجتماعي والتي نذكر منها
الحيلولة بين المجرم و المجتمع حتى لا يكون خطرا على المجتمع (العزل)
التحقيق لمعرفة الأسباب
تحديد الإجراءات الملائمة
وفي جميع الأحوال يتجه مجهود الوضعيين إلى تامين الحياة الاجتماعية وكف الجريمة
ومن ثمة يظل الهدف من الجزاء اجتماعيا فقط ولا نميز.
نقد: إن كان لا نعترض على صيغة الدراسة
العلمية للسلوك وتحديد أسبابا الجريمة و لا نعترض كذلك على تامين الحياة
الاجتماعية من الجريمة إلا أن منطق الحتميين قادر إلى عكس النتائج المتوقعة
فالجريمة ازدادت انتشارا في المجتمعات التي استجاب تشريعها لنداءات الوضعيين الحتميين.