لأخوين عروج و خير الدين بربروس
1-الأخوين 'عروج وخير الدين' :
يرجع
أصل الأخوين المجاهدين 'عروج وخير الدين' إلى الأتراك المسلمين،والدهما
'يعقوب بن يوسف' من بقايا المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة 'مدللي'
إحدى جزر الأرخبيل وأمهما سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على الأخوين
في توجيههما للجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الأسبان والبرتغاليين، وقد
حاول المؤرخون الصليبيون وخاصة المستشرقين منهم الطعن في جهاد الأخوين
ووصفهما بأنهما قراصنة ولصوص البحر وقد توصل المؤرخ الجزائري 'أحمد توفيق
مدني' إلى ما يدل على صحة نسب الأخوين، والمحزن حقا كثيرًا من المراجع
الإسلامية المعاصرة وقعت في هذا الخطأ وسارت على نهجالأعداء ووصفتهما
بالقراصنة.
2-جهاد الأخوين ضد الصليبيين:
اتجه
الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر بدافع منوالدتهما
الأندلسية خاصة بعد السيطرة الأسبانية والبرتغالية على البحر المتوسط
واحتلالهما لعدة مواني في شمالي أفريقيا وقد استطاع الأخوان أني كونا
مجموعة قتالية قوامها عدة سفن صغيرة لبحارة مسلمين؛ واستطاعت هذه المجموعة
تحقيق عدة انتصارات رائعة على القراصنة الصليبيين الذين كانوا يعبثون في
المنطقة فسادًا ويستولون على سفن المسلمين ويأخذونهم كأسرى وعبيد، فأثارت
هذه الانتصارات إعجاب القوى المسلمة الضعيفة في شمال إفريقيا فأعطاهم
السلطان 'الحفص' حق الإقامة بجزيرة 'جوبة' التونسية فزادت شعبية الأخوين
بين مسلمي إفريقيا فاستجار بهم الأهالي عدة مرات للتصدي للهجوم الأسباني
الصليبي فاستطاع الأخوين تحرير 'بجناة' سنة 918هـ من الاحتلال الأسباني
لتكون محطة عمليات لإنقاذ مسلمي الأندلس.
3-تحالف الأخوين مع العثمانيين:
رجع تاريخ تحالف الأخوين 'عروج وخير الدين' مع العثمانيين إلى سنة
920هـبعد تحرير ميناء 'جيجل' حتى شعر كل من الجانبين بأهمية التحالف
فالأخوين وجدا أنهما يواجهان قوى منظمة تكبر يومًا بعد يوم وهم في حاجة
لأسلحة حديثة وسفن قوية، والعثمانيون شعروا بأهمية الجهاد البحري ضد صليبيي
أسبانيا والبرتغال لتهديدهما المباشر للمسلمين في الخليج العربي والهند
بعد احتلال البرتغاليين لعدن ومدن أخرى في جنوب الجزيرة بنية التوجه
للأماكن المقدسة بها ونبش قبر النبي .
بعد فتح ميناء 'جيجل' حوصر
الأخوان من كل جانب غربًا من حاكم الجزائر العميل 'سالم التومي' وشرقًا
وجنوبًا من 'الحفصيين' العملاء للأسبان وشمالا من أسطول الأسبان وفرسان
القديس يوحنا؛ فأرسل الأخوان برسالة للسلطان 'سليم الأول' يشرحان الموقف
وخطورته فأرسل إليهما أربعة عشر سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود، حيث
كان لهذا المدد أثره الكبير في انتصار 'عروج وخير الدين' على حاكم الجزائر
وقتله.
4-إستشهاد 'عروج':
كانت
مدينة 'تلمسان' ذات موقع استراتيجي مؤثر على مقاليد الحكم بالجزائر،وكان
الأسبان محتلين للبلد ويعملون على إثارة القلاقل على الأخوين بالجزائر
فقررا تحرير المدينة وإعداد جيش كبير سنة 923هـ للمهمة وبعد أن نجحا بالفعل
في السيطرة علي المدينة تمكن الأسبان بالتعاون مع بني حمود الخونة أن
يستعيدوا المدينة، وأثناء الحصار والقتال استشهد 'عروج' وأخ لهاسمه [إسحاق]
وكثيرون من رجال الأخوين، وتركت تلك الحادثة أثراً بالغا على 'خير الدين'
الذي قرر أن يشن حربا ضروسًا ضد الصليبين أينما كانوا خاصة الأسبان منه
5-الجزائر ولاية عثمانية وقائدها خير الدين:
شعر
أهل الجزائر بشدة الموقف وخطورته في ظل كثرة التهديدات الخارجية وضعفا
السلطة المحلية وارتماء الكثير منهم في أحضان الصليبيين فصاروا لهم عبيدا
ولدينهم وأمتهم خونة ومارقين، فاجتمع زعماء البلد وقرروا إرسال رسالة هامة
للسلطان 'سليمان الأول' الذي خلف أباه السلطان 'سليم الأول' يطلبون فيها
إخضاع الجزائر للسيادة العثمانية، وحاول 'خير الدين' أن يذهب بنفسه للقاء
السلطان ولكن أهل البلد توسلوا إليه ألا يغادر البلد خوفًا من هجوما
لصليبيين، فنزل عن رغبتهم وأناب بالرسالة الفقيه 'أبا العباس أحمد بنقاض'
وكان من أكبر علماء الجزائر، ولم يفت أهل الجزائر أن يثنوا على 'عروج' في
مدافعته للصليبيين ونصرة الدين والجهاد حتى الشهادة وكانت فحوى الرسالة
ترتكزعلىعدةمطالب منها:
-1ضم الجزائر للسيادة العثمانية وتم ذلك ابتداء من سنة 926هـ.
-2تعيين "خير الدين" قائدا عليهم.
-3 إقامة سوق الجهاد بتلك البلاد ضد صليبي أسبانيا والبرتغال
فاستجاب
السلطان لتلك المطالب وعين 'خير الدين' قائدًا على البلد وأرسل فرقا من
الانكشارية وأذن لمن شاء من رعاياه المتطوعين للجهاد بالذهاب للجزائر مع
منحهم نفس امتيازات الجند النظاميين.
6-جهود 'خير الدين' لنصر الدين:
كان أمام 'خير الدين' الكثير من الأعمال التي يجب أن يقوم بها وكان عليه أن يحارب على جبهتين:
-الجبهة
الأسبانية الصليبية المتمركزة في عدة جيوب بالجزائر مثل 'عنابة' و'قالة'
و'حصن بنيون' وقد استطاع 'خير الدين' بفضل الله عز وجل أن يقضي على تلك
الجيوب ويطهر البلد من بقايا الصليبين وذلك سنة936هـ .
-الجبهة
الداخلية العميلة والخائنة ممثلة في مؤامرات أمراء بنى زيادوالحفصيين
وغيرهم من القبائل الصغيرة التي تقوم على مدد صليبي وعون خارجي وتعمل على
الحيلولة من توحيد الصف في المغرب الأوسط، وكان ملك الحفصيين الممتد منذ
أيام دولة الموحدين قد ترهل وكثرت المنازعات والخلافات الداخلية بينهم حتى
مزقت تلك الأسرة ولجأ أحد أمرائها واسمه 'الرشيد' إلى 'خير الدولة'
لمساعدته ضد أخيه السلطان 'الحسن بن محمد' فوجدها 'خير الدين' فرصة مواتية
للقضاء على تلك الأسرة المشئومة على البلاد؛ فأرسل 'خير الدين' للسلطان
'سليمان' يعرض عليه فكرة ضم تونس للسيادة العثمانية فوافق وأرسل إليه
الأسطول العثماني كله، وتوجه الجميع لتونس ففر منها سلطانها الخائن 'الحسن
بن محمد' ودخل أسبانيا وعمل على جعل الإمبراطور 'شار لكان' يحتل تونس مرة
أخرى ليعيده سلطانًا على رقاب العباد، وهكذا نرىأن الخونة يبيعون دينهم
وأمتهم وأرضهم وعرضهم في سبيل ملك زائل ودنيا فانية وسلطان خادع، والذي
يقرأ ما تعهد به الخائن 'الحسن بن محمد' لـ'شار لكان' حال مساعدته في
احتلال تونس يتضح له حجم الخيانة حيث تعهدا لخائن بما يلي:
-1 أن يسلم 'الحسن' عدة مدن كبيرة منها المهدية و'بونة' لـ'شارلكان'.
-2 أن يكون مساعدًا حليفًا لفرسان القديس يوحنا أعدى أعداء المسلمين.
-3 أن يناصب العثمانيين العداء ويعمل على حربهم في بلاد الجزائر والمغرب
-4 أن يتحمل نفقات إقامة ألفي جندي أسباني يتركون بالبلاد كحامية بالبلد.
وبالفعل
حشد 'شار لكان' أسطولاً جرارًا قاده بنفسه ولم يتمكن 'خير الدين' من رد
عاديته فاحتل 'شار لكان' تونس سنة 942هـ وارتد 'خير الدين' راجعا إلى
الجزائر وهو ينوي رد الصفعة لـ'شار لكان'.
- قرر 'خير الدين'
الرد على ضربة تونس بضربة أشد منها وجيعة فقام بالهجوم على جزر البليار
الأسبانية والبرتغالية وكانت محملة بالذهب والفضة والعبيد وأخذ الكثير من
النصارى عبيدًا وسبايا، واهتزت لتلك الضربة كل نواحي أوروبا، وشعر 'شار
لكان' أن قوة 'خير الدين' مازالت قائمة، ونظرًا لتلك الانتصارات الرائعة
قرر السلطان 'سليمان الأول' تعيين 'خير الدين' وزيرا للبحرية العثمانية في
كل البلاد واستدعاه لاسطنبول لتلك المهمة ونقل 'خيرا لدين' نشاطه للجبهة
الشرقية من البحرالمتوسط.
-أصبح 'خير الدين' شبحًا ورعبًا يشغل عقول
الصليبيين في أوروبا وأسبانيا لفترة طويلة واستولى على تفكيرهم حتى إذا
تحركت ريح أو سمع صوت قالوا إن 'خير الدين' قادم ويعلوا صراخهم وعويلهم
ويفر السكان من ديارهم ومتاجرهم ومزارعهم حتى إذا حطمت العواصف سفنهم نسبوا
ذلك إلى 'خير الدين'، وبلغا لخوف مداه حتى إذا ما وقعت سرقة أو تخريب أو
حتى مرض ووباء نسبوا ذلك إلى 'خير الدين' وجنوده.
'7-خير الدين' قائد الأسطول العثماني:
-
عين السلطان العثماني 'سليمان الأول' القائد 'خير الدين' قائدًا عاما على
الأسطول العثماني ونقله للعمل في الجهة الشرقية من البحر المتوسط للقضاء
على نفوذ أسبانيا و'شار لكان' وقد دخل 'سليمان' في حلف مع فرنساالعدوة
اللدودة لأسبانيا وجعل 'خير الدين' مدينة 'مرسيليا' قاعدة لعملياته وصار
قائدًا عامًا للأساطيل المشتركة بين العثمانيين وفرنسا وقام بتوجيه ضربات
للوجود الأسباني بالمنطقة وأسر كثيرًا من الأسبان وباعهم رقيقا وتداولاتهم
أيدي الناس حتى صاروا بأبخس الأثمان لكثرتهم.
8-وفاة 'خير الدين':
-ظل
'خير الدين' ناصبًا لسوق الجهاد في سبيل الله في البحر المتوسط وخضدشوكة
'شار لكان' والأسبان وقاد كثيرا من الحروب ضد الصليبيين حتى صار كابوسا
يؤرق مضاجع أعداء الإسلام وحفظ لنا التاريخ العديد من مواقفها لبطولية التي
توضح البعد الإيماني في جهاده؛ فعندما حاصر 'شار لكان' الجزائر بعد
استشهاد 'عروج' خرج 'خير الدين' بكل حزم وعزم وقرأ على جنوده قوله عز وجل:
{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، ثم قال: إن المسلمين في المشرق
والمغرب يدعون الله بالتوفيق لأن انتصاركم انتصار لهم وإن سحقكم لهؤلاء
الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الإسلام.
- وظل 'خير
الدين' مجاهدًا حتى آخر لحظة في حياته حتى آتاه اليقين وتوفاها لله على
فراشه حتف أنفه سنة 953هـ رغم أنه ظل طوال حياته مجاهدًا وقدا ستشهد أخوه
فلا نامت أعين الجبناء