الأحوال الداخلية للدولة:
1- دمشق العاصمة الجديدة:
كان على -رضى الله عنه- قد اتخذ من "الكوفة" مركزًا للخلافة، فاتخذ معاوية
بن أبى سفيان مدينة "دمشق" لتكون مقرّّا لخلافته ولآل بيته من بعده.
وكانت هذه الخطوة تعنى أن مقر الخلافة أصبح محصنًا بقوة مادية وبشرية
كبيرة، وشجعه على ذلك أن أهل الشام برهنوا له عن ولائهم للبيت الأموى،
ووقفوا إلى جانب معاوية خلال تلك الفترة التى قامت فيها الفتنة.
وكان معاوية قد راح يدعم علاقته بالقبائل الكبيرة منذ ولايته على الشام،
فصاهر أقواها وأعزها، وأكثرها نفرًا، وهى قبائل كلب اليمانية، فكانت زوجته
ميسون من بنى بحدل من قبيلة كلب، وأنجب منها ابنه يزيد الذى صار ولى عهد
الدولة الأموية.
أما عن موقع مدينة دمشق عاصمة الخلافة الجديدة، فقد كان موقعًا فريدًا،
فهى تقع على حافة بادية البلقاء، فى واحة الغوطة الخصيبة، ويغذيها نهر
بردى، وتحيط بها جبال شاهقة من جميع نواحيها وهى إلى جانب هذا كله متجرًا
للقوافل التجارية المعروفة باسم "رحلات الصيف".
وها هى ذى قد أصبحت بعد الفتح الإسلامى معسكرًا للجيوش الإسلامية، وقاعدة
تباشر منها مهامها الحربية، وتستطيع مراقبة العدو الأول للدولة الإسلامية،
وهو إمبراطورية الروم.
2- الوراثة فى الحكم:
وكانت السمة الثانية التى ميزت الدولة الأموية: تطبيق مبدأ الوراثة فى
الحكم، لقد تخلى معاوية عن القواعد التى جرى عليها انتخاب الخلفاء
الراشدين من قبله، معتقدًا أن المجتمع الإسلامى بعد هذه السنين قد تطور،
وأن قوى جديدة فيه قد ظهرت تريد أن تبحث لها عن دور، وأن القبائل الكبرى
التى قامت بالدور البارز فى حركة الفتوح وقيادة الجيوش لم تعد تقبل بسهولة
أن تنقاد لمن لا ترى مصالحها عنده، وتضمن نفوذها لديه، وأن الأمصار
والولايات الجديدة قد أصبحت حريصة على جعل جهاز الحكم فيها، أو قريبًا
منها، مما يهدد الدولة الإسلامية بالتنازع والحروب الداخلية فرأى أن
يستخلف ولده يزيد إذ تؤيده قوة أهل الشام وتحميه قوة قبيلة كلب التى منها
أمه وأخواله. .
وبالرغم من العقبات التى اعترضت معاوية فإنه استطاع الحصول على البيعة
لابنه يزيد سنة 56هـ / 676م، وبهذا تم تحويل الخلافة إلى سلطة مبدأ
التوريث.
وصار معاوية بذلك مؤسس الدولة الأموية، وأول من طبق الوراثة فى الخلافة الإسلامية.
منجزات معاوية:
أما عن عهد معاوية فقد كان حافلا بالإنجازات، فقد أعاد حبات العقد التى
انفرطت فنظمها من جديد، وبعث الجيوش شرقًا وغربًا، وقضى على الفتنة، وأتاح
للراية الإسلامية أن تواصل تقدمها فى كل اتجاه، ولقن أعداء الأمة دروسًا
لا تنسى!
ولقد تحقق له ما أراد، فأقام دولة لبنى أمية وَوَرَّثَ ابنه يزيد الخلافة
من بعده، ثم أجاب داعى الله بعد حياة حافلة، وقد قال فيه رسول الله (:
"اللهم اجعله هاديًا مهديّا واهدِِ به" [أحمد والترمذى].
وقد لقى معاوية ربه، فى رجب سنة 60هـ / 680م.