السلطان بايزيد:
فمن يا تُرى يخلفه؟ لقد خلفه ابنه "بايزيد" ومن شابه أباه فما ظلم.كانوا
يلقبونه (بالصاعقة)، وذلك لسرعة تحركاته في ميادين القتال وانتصاراته
الخاطفة.أتدري ماذا حقق من انتصارات بعد أبيه؟ لقد أتم فتح اليونان. أما
الدولة البيزنطية فقد جردها من كل ممتلكاتها ماعدا القسطنطينية وحدها.
لقد بلغ "بايزيد" من القوة ما جعله يمنع إمبراطور القسطنطينية من إصلاح
أحد حصون المدينة فيذعن الإمبراطور لأمره، وينزل عند رأيه. وكانت نتيجة
هذا الجهاد المقدس انتشار الذعر في جميع أنحاء أوربا، فقام البابوات في
روما ينادون بالجهاد ضد المسلمين كما فعلوا سنة 489هـ/1095م، وتجمعت فرق
المتطوعين من فرنسا وألمانيا وبولندا وغيرها وقادهم سِجِسْمُنْد المجري.
وفي سنة 799هـ/1396م اشتبك معهم "بايزيد" في معركة "نيقوبولس" وهزمهم
هزيمة نكراء، فدقَّت أجراس الكنائس في جميع أوربا حدادًا على تلك الكارثة،
وانتابها الذعر والقلق. وراحت أوربا تخشى مصيرها الأسود القاتم إذا تقدم
ذلك القائد المظفر نحو الغرب.
أما القسطنطينية فقد أوشكت على السقوط أمام جيوش بايزيد!
هجوم التتار:
في هذه اللحظات التاريخية يتعرض جنوب الدولة العثمانية إلى هجمات التتار،
وكانت هذه هي الموجة الثانية (بعد تلك التي قام بها هولاكو) جاء على رأسها
تيمورلنك، فغزا بلاد فارس والعراق وأجزاء من سوريا، ثم اتجه شمالا نحو
الدولة العثمانية.
ولما شعر بايزيد بذلك الخطر أوقف تقدمه في أوربا كما رفع الحصار عن القسطنطينية، واتجه جنوبًا لملاقاة العدو.
وفي سنة 805هـ/1402م تقابل بايزيد مع تيمورلنك بالقرب من أنقرة، ودارت
الحرب بينهما زمنًا طويلا كان النصر فيها حليفًا لقوات التتر! ووقع
"بايزيد" في أسر عدوه تيمورلنك الذي عذبه عذابًا شديدًا. ويقال: إنه سجنه
في قفص، وطاف به أجزاء مختلفة من الدولة حتى مات من شدة التعذيب.
ترى هل كانت هذه الهزيمة نهايةً للأتراك العثمانيين؟ لا؛ فقد انتعشوا مرة
ثانية، وقاموا بأعمال تفوق تلك التي قام بها "عثمان" و"مراد" و"بايزيد".
سقوط القسطنطينية:
مرت على الدولة العثمانية فترتان بين إنشائها واستيلائها على
القسطنطينية.كانت الفترة الأولى واقعة بين استقلال عثمان بالدولة سنة
700هـ/1300م وبين هزيمة "بايزيد" في موقعة أنقرة سنة 805هـ/1402م.
أما الفترة الثانية، فتبدأ من إعادة إنشاء الدولة سنة 816هـ/1412م حتى فتح القسطنطينية سنة 858هـ/1453م.
وكانت المدة الواقعة بين هاتين الفترتين -وهي عشر سنوات- مدة قلاقل واضطرابات.
ولكن ماذا فعل تيمورلنك بعد موقعة أنقرة وأسر بايزيد؟
عودة تيمورلنك إلى بلاده:
بعد موقعة أنقرة تراجع تيمورلنك، فلم يكن قصده احتلال آسيا الصغري، بل كان
كل همه وأمله أسر بايزيد، أمَا وقد تحقق له ما أراد، فليرجع إلى بلاده،
لقد ترك البلاد مهزومة مفككة، وترك أولاد بايزيد يتحاربون فيما بينهم من
أجل الملك.
واستمرت فترة حكمه حوالي ثماني سنوات، أخذ يعمل فيها بحكمة وتعقل؛لكي يدعم
سلطانه داخل الدولة، فاتبع سياسة المهادنة والصداقة مع كل الأعداء.
لقد عقد هدنة مع إمبراطور القسطنطينية، وقد رحب الإمبراطور بتلك الهدنة؛
لأنه هو الآخر كان في حالة ضعف شديد نتيجة ضربات بايزيد المتوالية على
دولته.
أما السلاجقة، فقد ترك لهم "السلطان محمد" كل الأراضي التي تحت أيديهم،
وتفادي أي اشتباكات معهم، وركز كل همه في توطيد سلطانه في الداخل، وكان له
ما أراد.
السلطان مراد الثاني:
فلما توفي "محمد" وخلفه ابنه "مراد الثاني" سنة 825هـ/1421م، كانت حالة
الدولة العثمانية تمكنها من اتخاذ بعض الخطوات الهجومية وقد كان.
فلقد استردّ "مراد الثاني" ما أخذه السلاجقة من أراضي العثمانيين، واستعاد
العثمانيون ثقتهم وقوتهم في عهد مراد الثاني، فاتجهوا إلى أوربا.
ولكن أوربا لم تنسَ هزيمتها في "نيقوبولس" وما لحق بها من عار، فراحت تكون
جيشًا كبيرًا من المجريين والبولنديين والصرب والبيزنطيين، وهاجمت ممتلكات
الدولة العثمانية في "البلقان".
وفي البدء تمكن المسيحيون من إحراز عدة انتصارات على جيوش مراد، إلا أن
السلطان "مرادًا" جمع قواته، وأعاد إعدادها وتشكيلها حتى التقى مع أعدائه
سنة 849هـ/1444م، فأوقع بهم الهزيمة، وعلى رأسهم ملك المجر "فلادسلاق"
وصدهم حتى نهر الدانوب.
رعاك الله يا مراد، لقد أعدت الدولة العثمانية إلى ما كانت عليه أيام جدك بايزيد.
وهكذا لما توفي "مراد الثاني" في "أدرنة" سنة 856هـ/ 1451ترك لابنه محمد
الثاني المعروف "بالفاتح" دولة قوية الأركان، عالية البنيان، رافعة
أعلامها، متحدة ظافرة منتصرة.