دور العثمانيين فى الاندلس والمغرب
كان من
آثار التهجير الجماعي للمسلمين من الأندلس ونزوح أعداد كبيرة منهم إلى
الشمال الأفريقي حدوث العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في
ولايات الشمال الأفريقي.ولما كان من بين المسلمين النازحين إلى هذه
المناطق أعداد وفيرة من البحارة ، فكان من الضروري أن تبحث عن الوسائل
الملائمة لاستقرارها ، إلا أن بعض العوامل قد توافرت لتدفع بأعداد من
هؤلاء البحارة إلى طريق الجهاد ضد القوى المسيحية في البحر المتوسط ،
ويأتي في مقدمة هذه الأسباب الدافع الديني بسبب الصراع بين الإسلام
والنصرانية وإخراج المسلمين من الأندلس ومتابعة الأسبان والبرتغال
للمسلمين في الشمال والأفريقي.وقد ظلت حركات الجهاد الإسلامي ضد الأسبان
والبرتغاليين غير منظمة حتى ظهور الأخوان خير الدين وعروج بربروسا واستطاعا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر وتوجيها نحو الهدف المشترك لصد أعداء الإسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الأفريقي
.
وقد
اعتمدت هذه القوة الإسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر
بسبب عدم قدرتها في الدخول في حرب نظامية ضد القوى المسيحية من الأسبان
والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا ، وقد حقق هؤلاء المجاهدين نجاحاً أثار
قلق القوى المعادية ، ثم رأوا بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة
العثمانية لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.وقد حاول المؤرخون
الأوروبيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط ووصفوا
دورها بالقرصنة وكذلك شككوا في أصل أهم قادتها وهما خير الدين وأخوه عروج
الأمر الذي يفرض ضرورة إلقاء الضوء على دور الأخوين وأصلهما ، وأثر هذه
الحركة على الدور الصليبي في البحر المتوسط في زمن السلطان سليم والسلطان
سليمان القانوني
]أولاً : أصل الأخوين عروج وخير الدين :]
[size=16]يرجع أصل المجاهدين إلى الأتراك المسلمين وكان والدهما يعقوب بن يوسف من بقايا الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة مدللي إحدى جزر الأرخبيل. وأمهم سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على أولادها في تحويل نشاطهم شطر بلاد الأندلس التي كانت تئن في ذلك الوقت من بطش الأسبان والبرتغاليين. وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان هما إسحاق ومحمد إلياس.إن ما ذكر عن الدور الذي لعبه الأخوان يؤكد حرصهما على الجهاد في سبيل الله ومقاومة أطماع أسبانيا والبرتغال في الممالك الإسلامية في شمالي أفريقيا ولقد أبدع الأخوان في الجهاد البحري ضد النصارى وأصبح لحركة الجهاد البحري في القرن السادس عشر مراكز مهمة في شرشال ووهران والجزائر ودلي وبجاية وغيرها في أعقاب طرد المسلمين من الأندلس ، وقد قويت بفعل انضمام المسلمين الفارين من الأندلس والعارفين بالملاحة وفنونها والمدربين على صناعة السفن
[]ثانياً : دور الأخوين في الجهاد ضد الغزو النصراني :
اتجه الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر ، ووجها نشاطهما في البداية إلى بحر الأرخبيل المحيط بمسقط رأسهما حوالي سنة 1510م ، لكن ضراوة الصراع بين القوى المسيحية في بلاد الأندلس وفي شمالي أفريقيا بين المسلمين هناك ، والذي اشتد ضراوة في مطلع القرن السادس عشر ، قد استقطب الأخوين لينقلا نشاطهما إلى هذه المناطق وبخاصة بعد أن تمكن الأسبان والبرتغاليون من الاستيلاء على العديد من المراكز والموانئ البحرية في شمالي أفريقيا .
[size=16]وقد حقق الأخوان العديد من الانتصارات على القراصنة المسيحيين الأمر الذي أثار إعجاب القوى الإسلامية الضعيفة في هذه المناطق ، ويبدو ذلك من خلال منح السلطان “الحفصي”
لهم حق الاستقرار في جزيرة جربة التونسية وهو أمر عرضه لهجوم أسباني
متواصل اضطره لقبول الحماية الأسبانية بالضغط والقوة ، كما يبدو من خلال
استنجاد أهالي هذه البلاد بهما ، وتأثيرهم داخل بلدهم مما أسهم في وجود
قاعدة شعبية لهما تمكنهما من حكم الجزائر وبعض المناطق المجاورة. ويرى بعض
المؤرخين أن دخول عروج وأخيه الجزائر وحكمهما لها لم يكن بناءً
على رغبة السكان ، ويستند هؤلاء إلى وجود بعض القوى التي ظلت تترقب الفرص
لطرد الأخوين والأتراك والمؤيدين لهما ، لكن البعض الآخر يرون أن وصول
عروج وأخيه كان بناءاً على استدعاء من سكانها لنجدتهم من الهجوم الأسباني
الشرس ، وأن القوى البسيطة التي قاومت وجودهما كانت تتمثل في بعض الحكام
الذين أبعدوا عن الحكم أمام محاولات الأخوين الجادة في توحيد البلاد حيث
كانت قبل وصولهما أشبه بدولة ملوك الطوائف في الأندلس ، وقد سائد أغلب أهل
البلاد محاولات الأخوين واشتركت أعداد كبيرة منهم في هذه الحملات ، كما
ساندهما العديد من الحكام المحليين الذين شعروا بخطورة الغزو الصليبي
الأسباني.ويظهر دور الأخوين المجاهدين بمحاولة تحرير بجاية من الحكم الأسباني سنة 1512م ، وقد نقلا – لهذا الغرض – قاعدة عملياتها ضد القوات الأسبانية في ميناء جيجل
شرقي الجزائر بعد أن تمكنا من دخولها وقتل حماتها الجنوبيين سنة 1514م لكي
تكون محطة تقوية لتحرير بجاية من جهة ولمحاولة مساعدة مسلمي الأندلس من
جهة أخرى ، ويبدو أن الأخوين قد واجها تحالفاً قوياً نتج عنه العديد من
المعارك النظامية وهو أمر لم يتعودوه لكن أجبروا عليه بفعل الاستقرار في
حكم الجزائر ، وزاد من حرج الموقف قتل عروج في إحدى المعارك سنة 1518م مما
اضطر خير الدين للبحث عن تحالف يعينه على الاستقرار والمقاومة سواء لدورها
البارز في ساحة البحر المتوسط أم لأن القوى المحلية في الشمال الأفريقي
كانت متعاطفة معها.وتتابع انتصاراتها على الساحة الأوروبية منذ فتح
القسطنطينية وأن الاتجاه لمخالفتها سيسكب دور خير الدين مزيداً من التأييد
من قبل هذه القوى ، وإلى جانب ذلك فإن الدولة العثمانية قد أبدت استجابة
للمساعدة حين طلب منها الأخوان ذلك ، كما أبدت رغبتها في مزيد من
المساعدات لدوره وكذلك لبقايا المسلمين في الأندلس ، ومن منظور ديني أسهم
في إكساب دورها تأييداً جماهيرياً وجعل محاولة التقرب منهما أو التحالف
معهما عملاً مرغوباً.ومن جهة أخرى كانت الظروف في الدولة العثمانية على
عهد السلطان سليم الأول مهيأة لقبول هذا التحالف وبخاصة بعد أن اتجهت
القوات العثمانية إلى الشرق العربي ، وكان من أبرز أهدافها في هذا الاتجاه
هو التصدي لدور البرتغاليين والأسبان وفرسان القديس يوحنا في المنطقة ،
وكان من المنطقي التحالف مع أي من القوى المحلية التي تعينها على تحقيق
هذه الأهداف .