أصناف الملائكة:
الملائكة -عليهم السلام- أصناف، وكل صنف موكَّل بوظائف يقوم بها بأمر الله تعالى، قال سبحانه: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27]. ومن أصنافهم ووظائفهم:
حملة العرش:
هناك ملائكة يحملون عرش الرحمن ويسبحون بحمده. قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. وقال عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17].
وهم يحملون عرش الرحمن عز وجل، والرسول ( أخبرنا بضخامة أجسامهم فقال: (أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه (كتفه) مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
الحافون من حول العرش:
ومن أصناف الملائكة الحافون من حول عرش الرحمن، وهؤلاء يسبحون بحمد الله، ويقدسونه، ويمجدونه آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
ملائكة الجنة:
ومنهم خزنة الجنة، وهم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، ويهنئونهم بها، ويدخلون عليهم مُسَلِّمين، ويبشرونهم برضوان الله والخلود في النعيم.
قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار} [الرعد: 23-24].
وفي الحديث الشريف أن الرسول ( قال: (آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ؟ فأقول: محمد. فيقول الخازن: بك أُمرت (أي: أمرني الله ألا أفتح لأحد قبلك) [مسلم وأحمد].
ملائكة النار:
ومنهم خزنة النار، وهم الزبانية، وهم تسعة عشر مَلَكًا وكَّلهم الله -تعالى- بالنار، يعذِّبون أهلها، ويُذيقونهم أشد العذاب، قال تعالى: {سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر. وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 26- 31]. ومن خزنة النار: مالك الذي يناديه أهل النار، ويستغيثون به ويتمنُّون أن يقضي الله عليهم بالموت فيجيبهم بعد زمن بعيد: إنكم ماكثون. قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر 49 -50].
الملائكة رسل الوحى:
الله -عز وجل- اختار من الملائكة رسلا، ليكونوا سفراء بينه وبين رسله، واختار من الناس رسلا ليبلغوا رسالته إلى الناس. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
والرسول الكريم هو جبريل- عليه السلام- الذي وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة، وجعله سفيرًا بينه وبين أنبيائه، قال تعالى: {إنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين}
[الشعراء: 192-195].
الملائكة الموكلون بالأجنة:
عندما يستقر الإنسان في رحم أمه يكون أول ما يكون نطفة، فيوكِّل الله به ملائكة يطورون هذه النطفة وتصوير ما في الأرحام، ويكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، وفي الحديث أن الرسول ( قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات:
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أى: الذي كتب وهو في الرحم) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) [البخارى ومسلم]
وفي الحديث: (وكَّل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه) [متفق عليه].
الملائكة الكرام الكاتبون:
ومهمتهم كتابة أعمال البشر، وإحصاؤها عليهم، فعن يمين كل إنسان ملك يكتب صالح أعماله ، وعن يساره ملك يكتب سيئات عمله. قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كرامًا كاتبين. يعملون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]. وقال عز وجل: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
[الزخرف: 80]. وإذا علم الإنسان أن له حافظًا من الملائكة موكَّلا به، يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحف تنشر يوم العرض الأكبر على الناس جميعًا، كان ذلك زاجرًا له (مانعًا) عن فعل المعاصي وحافزًا له لعمل الخيرات.
الملائكة الحفظة:
وهم موكَّلون بحفظ الإنسان من الشيطان، والعاهات والآفات ومن جميع الأشياء الضارة. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله} [الرعد: 11]. قال ابن عباس في تفسيرها: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: يحفظونه في نومه وفي يقظته من الجن والإنس.
قرناء بني آدم من الملائكة:
والله جعل من الملائكة قرناء يصحبون الإنسان، وهدفهم هداية البشر وإسعادهم ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على الهدى والصلاح، واجتناب الشر والضلال. ففي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) [مسلم وأحمد].
وفي الحديث أيضًا: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاز بالخير، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268].
فعلى المسلم العاقل أن يصغي لنداء الملائكة فيفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات، وأن يحذر كل الحذر مما يلقيه الشيطان في روعه ويعوذ بالله منه.
الملائكة المسخرون بقبض الأرواح:
قال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقال عز وجل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} [السجدة: 11]. وقال سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32].
فالله وكَّلهم بقبض أرواح عباده، فإذا كان العبد من المؤمنين جاءته الملائكة بيض الوجوه حتى يُجلسوه، ويُخرجوا روحه فيقولون: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان. وإذا كان العبد من الكافرين جاءته ملائكة سُود الوجوه فيقولون: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سَخَط الله.
كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ( في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد، فجلس رسول الله ( وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال : (استعيذوا بالله من عذاب القبر). مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.. إلى أن يقول: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ...) [أحمد].
وفي الحديث الشريف: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلَّ على راهب (عابد) فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط . فأتاهم ملك بصورة آدمي، فجعلوه بينهم (أى: جعلوه حكمًا بينهم، وقد أرسله الله تعالى ليحكم بينهم بحكم الله تعالى) فقال: قيسوا ما بين الأرضين (أي التي خرج منها، والتي قصدها) فإلى أيتهما كان أدنى (أى: أقرب) فهو لها فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [مسلم].
ملائكة السؤال في القبر:
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].