تحريف التوراة:
إن الإيمان بالتوراة التي أنزلها الله على موسى -عليه السلام- ركن من أركان الإيمان، والمسلم يؤمن بأنها اشتملت على كل خير، وجاءت بتوحيد
الله -عز وجل- وكانت نورًا وهدى. قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة: 44].
إلا أن التوراة التي أنزلت على موسى -عليه السلام- غير موجودة كما أنزلت، أما التوراة المتداولة الآن، فقد قام بكتابتها أكثر من كاتب، وفي أزمان مختلفة، وقد دخل عليها التحريف والتبديل.
ومن أدلة التحريف الحسية أن التوراة المتداولة لدى النصارى تخالف المتداولة عند اليهود، وقد أثبت القرآن هذا التحريف وعاب على اليهود تغييرهم وتبديلهم في التوراة. قال تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة: 75].
إنهم تجرءوا على كتاب الله، فحرفوه ليخفوا ما جاء فيه من الحق، وكل ما يثبت نبوة محمد (، وكانوا يعرفون النبي ( كما قال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: 146].
ولكنهم لم يؤمنوا به، واستكبروا، وحرفوا الكلم، قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46].
ومن أدلة التحريف في التوراة الحالية ما ورد فيهـا من وصف لا يليق بجلال الله وكماله، مثـل: (وقــال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا بالخير والشر).
وفيها أيضًا: (فحزن الرب أنه عمل الإنسان وتأسف في قلبه).
فهل يعقل أن هذا الكلام من كلام الله؟!!
هل يُعقل أن ينسب الحزن والأسف لله-عز وجل-؟! فهذا القول المزعوم يقتضي أن الله -عز وجل- لم يكن عالما بعواقب الأمور، كلا! فالله -عز وجل- منزه عن أي نقص، محيط بكل شيء، تعالى عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
ومما يدل على تحريف التوراة الحالية، ما ذكر فيها من وصف الأنبياء بأوصاف تتنافي مع عصمة الله لهم، فقد ذكروا عن إبراهيم أنه كذاب، وأن هارون دعا
بني إسرائيل إلى عبادة العجل، وسليمان عبد الأصنام إرضاءً لزوجته. فكيف يعقل أن هذا الكلام يتكلم به البشر أصحاب الفطرة المعتدلة، فضلا عن أن يُنزله
الله -عز وجل- لهداية البشر؟!
تحريف الإنجيل:
لم يسلم الإنجيل من التحريف والتبديل، ولم يبق على حالته كما أنزله
الله -عز وجل-، فأخذ النصارى يزيفون حقائق الأمور حتى يحققوا أغراضهم الدنيوية.
ويكفي دليلاً على أن الأناجيل المتداولة الآن محرفة، أنها أربعة أناجيل اختاروها من أناجيل كثيرة، وهذه الأناجيل تناولت الكتابة عن سيدنا عيسى -عليه السلام- ومؤلفوها معروفون وأسماؤهم مكتوبة عليها. وقد وجدوا في مكتبة أمير من الأمراء في باريس نسخة من الإنجيل -إنجيل برنابا- تخالف هذه الأناجيل الأربعة المختارة. وتوافق القرآن الكريم في كثير من العقائد والأصول.
فإذا علمنا أن هذه الكتب محرفة، فما معنى أن القرآن جاء مصدقًا لما تَقدَّمه من الكتب الإلهية؟ معنى ذلك أن القرآن جاء مؤيدًا للحق الذي ورد فيها من عبادة الله وحده والإيمان برسله، والتصديق بالجزاء، ورعاية الحق والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخلق بالأخلاق الصالحة.
قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} [المائدة: 68].
فالقرآن الكريم هو السبيل الوحيد الذي نتعرف به على التعاليم الإلهية الصحيحة، فهو الكتاب الذي حُفِظَت أصوله، وسلمت تعاليمه، وتلقته الأمة عن طريق أمين الوحي جبريل -عليه السلام- الذي نزله على الرسول (، وهذا الأمر الذي لم يتوفر لكتاب غيره، وأنه يشتمل على أسمى المبادئ والمناهج والنظم. وفيه كل ما يحتاجه الإنسان من العقائد والعبادات والآداب والمعاملات، وصالح لكل زمان وكل مكان، وهو كفيل بأن يخلق فردًا مسلمًا وأسرة فاضلة، ومجتمعًا صالحًا، فمن حكم به عدل، ومن قال به صدق، ومن سار على نهجه هداه الله إلى صراط مستقيم، قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: 15-16].
خصوصية الكتب السابقة:
الكتب التي أنزلها الله- عدا القرآن- كانت لأقوام معينين في أزمان معينة، وقد وافقت القرآن الكريم في بعض الشرائع، قال تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} [المائدة: 45]. فالمسلم يؤمن بما جاء في هذه الكتب ما لم يخالف القرآن، والمسلم يؤمن أن القرآن هو دستور الناس جميعًا.
مزايا القرآن الكريم
للقرآن الكريم مزايا تميزه عن الكتب السماوية التي سبقته، ومنها أنه جاء متضمنًا لخلاصة التعاليم الإلهية التي أنزلها الله -عز وجل- في التوراة والإنجيل وسائر ما أنزل الله من وصايا، وأنه مؤيد للحق الذي جاء في هذه الكتب من عبادة الله وحده، والإيمان برسله، والتصديق بالجزاء، ووجوب إقامة الحق، والتخلق بمكارم الأخلاق، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48].
أي أن الله -عز وجل- أنزل القرآن الكريم مقترنًا بالحق في كل ما جاء به، ومصدقًا لما تقدمه من الكتب التي أنزلها الله -عز وجل-، ومهيمنًا عليها، ومبينًا ما دخل عليها من تحريف وتبديل، ثم يأمر الله نبيه أن يحكم بين الناس مسلمين أو غير مسلمين بما أنزل الله في القرآن، وألا يتبعهم في معصية الله -تعالى-.
والله -عز وجل- جعل لكل أمة شريعة وطريقة في الأحكام والمعاملات تناسب استعدادها وفطرتها، أما أصول العقائد فهي واحدة في كل الرسالات. قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13]. وجاء الإسلام فنسخ كل شريعة وجعل العقيدة واحدة والشريعة واحدة للناس جميعًا.
إن الكتب التي نزلت قبل القرآن ضاعت نُسَخُها الأصلية، ولم يبقَ في أيدي الناس إلا تراجمها، أما القرآن فما يزال محفوظًا بسوره وآياته وكلماته وحروفه كما تلاه جبريل -عليه السلام- على رسول الله (، والكتب السابقة قد اختلط فيها كلام البشر بكلام الله، فلا يعرف أحد فيها كلام الله من كلام البشر، وأما القرآن فهو جميعه كلام الله- تعالى-، ولم يختلط بحديث الرسول ( أو أقوال الصحابة أو غيرهم.
إن تلك الكتب ليس منها كتاب تصح نسبته إلى الرسول الذي أُنزل عليه، فالتوراة لم يكتبها موسى، وإنما دُوِّنت بعد موسى-عليه السلام- بقرون عديدة، أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي ثبتت نسبته بصورة قطعية إلى الرسول ( وإن لم يكتبه، فقد كان يأمر كتاب الوحي أن يدون كل ما نزل أولا بأول.
وتعاليم القرآن هي كلمة الله التي يسعد بها البشر، فأراد الله لها أن تخلد على مر الزمن، فصانها وحفظها من التبديل، قال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41-42].
وقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]. والغاية من ذلك أن تبقى حجة الله قائمة على الناس. والقرآن أنزله الله للعالمين جميعًا، وللناس كافة، وليس خاصًا لقوم معينين كما كانت الكتب السابقة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للناس بشيرًا ونذيرًا} [سبأ: 28].
والقرآن هو الهدى الموصل إلى كل خير. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 1-2]. والله -عز وجل- يريد لكلمته أن تنتشر، وتصل إلى العقول والأسماع في كل مكان، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت سهلة الحفظ والفهم، فليس في القرآن ما يصعب على الناس فهمه أو العمل به، قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17]. والقرآن معجزة الرسول (، فلو اجتمعت الدنيا بأسرها على أن تأتى بمثل ما جاء به في القرآن الكريم لأعجزهم ذلك، فهو {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42].
والقرآن دعوة إلى الفضيلة والنهي عن الرذيلة. قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} [يونس: 57].
والقرآن شفاء للنفوس. يطهرها من أمراضها، فهو شفاء لها من الكفر والضلال، وشفاء لها من الغل والحقد، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82].