التطورات والتحسينات التي طرأت على بئر زمزم منذ عهد ابن عباس حتى الآن
عني الخلفاء والملوك والحكام ببئر زمزم كثيراً فقاموا بعمارتها فأدخلوا عليها من التحسينات بما يليق ومكانة هذه البئر ثم جاء العهد السعودي فزاد الاهتمام ببئر زمزم.
وفي هذه العجالة سوف نستعرض في هذا الفصل وصف زمزم وحوضها منذ عهد ابن عباس رضي الله عنهما كما ورد في نصوص الكتب التاريخية وما أدخل عليها من عمارة وتحسينات حتى الآن.
يصف الأزرقي ما كان عليه حوض زمزم في عهد ابن عباس رضي الله عنهما ومجلسه فيقول: كان لزمزم في الزمان الأول حوض بينهما وبين الركن يشرب منه الماء من باب وضوئهم يعني باب الصفا - فيصب من الماء وهو قائم على البئر في هذا من قربها من البئر، ولم يكن عليها شباك حينئذ، وأراد معاوية بن سفيان أن يسقي في دار الندوة فأرسل إليه ابن عباس رضي الله عنهما: أن ليس ذلك لك. فقال: صدق تسقي بالمحصب ثم رجع فسقى بمنى.
وكان موضع السقاية التي للنبيذ بين الركن وزمزم مما يلي ناحية الصفا، وكان مع مجلس ابن عباس في زاوية زمزم التي تلي الصفا الوادي، وهو على يسار من دخل من زمزم وكان أول من على مجلسة القبة سليمان بن عبد الله بن عباس، وعلى مكة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عاملاً لسليمان عبد الملك ثم عملها أمير المؤمنين جعفر في خلافته وعمل على زمزم شباكاً، وأول من عمل الرخام على زمزم والشابك وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته ثم عملها المهدي في خلافته.
وينتقل الأزرقي إلى وصف ما كانت عليه زمزم وحجرتها وحوضها مما كان من عمل المهدي في خلافته فيقول: (كان ذرع وجه حجرة زمزم الذي فيه بابها وهو ما يلي المسعى اثني عشر أصبعاً، وذرع الشق الذي يلي الكعبة تسعة أذرع وخمسة عشر أصبعاً، وذرع الشرق الذي يلي الوادي والصفا ثلاثة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع، وذرع حجرة زمزم من خارج الماء خمسة أذرع من ذلك الحجارة ذراعان واثنا عشر أصبعاً عليها الرخام والساج ذراعان واثنا عشر أصبعاً، ويدور في وسط الجدر حوض في جوانب زمزم كلها، طول الحوض في السماء تسعة عشر أصبعاً وعرضه ثمانية عشر أصبعاً وطول الجدر من الداخل ذراعان الجدر الذي داخله وخارجه وبطن الحوض وجدرانه مليس رخام وعرض الجدر ذراع وأربعة أصابع وعلى الجدر حجرة ساج من ذلك سقف على الحوض طوله في السماء عشرون أصبعاً وتحت السقف ستة وثلاثون طاقاً يؤخذ منها الماء من الحوض ويتوضأ منها طول كل طاق عشرون أصبعاً وعرضه أربعة عشر أصبعاً، منها في الوجه الذي يلي المقام اثنا عشر طاقا، ومنها في الوجه الذي يلي الكعبة اثنا عشر طاقاً، وفي الوجه الذي يلي الوادي عشر طاقا وحجرة الساج مشبكة، وذرع سعة باب حجرة زمزم في السماء ثلاثة أذرع وعرض الباب ذراعان وهو ساج مشبك، وبطن حجرة زمزم مفروش برخام حول البئر ومن حد البئر إلى عتبة الحجرة أربعة أذرع ونصف، وذرع تدوير رأس البئر من خارج خمسة عشر ذراعاً ونصف تدويرها من داخل اثنا عشر ذراعاً ونصف وعلى الحجرة أربعة أساطين ساج عليها ملين ساج مربع فيه اثنا عشرة بكرة يستقي عليها الماء، وفي حد مؤخرتها ما يلي الوادي كسيته ساج يكون فيها القيم ويقال أنها مجلس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فوق الملين حجرة ساج عليه قبة خارجاً أخضر ثم غيرت بالفسيفساء وداخلها أصفر وفي حدة حجرة زمزم اسطوانة له ساج مستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فوقها قبة من شبة يرج فيها بالليل لأهل الطواف وهو الذي يقال له: مصباح زمزم ثم نحاه عمر بن فرج الرخجي عن زمزم حتى غيرب وبنيت فلما بعث أمير المؤمنين الواثق بالله بعمد مصابيح الشبه رمى بذلك العمود الذي يسرج عليه وأخرج من المسجد.
يقول ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه العقد الفريد يصف بئر زمزم وزمزم بشرق الركن الأسود بينهما مثل الثلاثين ذراعاً، وهي بئر واسعة فتورها من حجر مطوق أعلاه بالخشب، وسقفها لزخرف الفسيفساء على أربعة أركان تحت كل ركن منها عمودان من رخام متلاصقان قد مد ما بين كل ركنين منها يشرح بخشب ورداني باب من جهة الشرق وول القبو كل مثل البرطلة.
قال ابن جبير في رحلته يف قبة زمزم بالحالة التي كانت عليها في عصره وذلك سنة 578هـ، وقبة زمزم تقابل الركن الأسود ومنها إليه أربعة وعشرون خطوة، ومن كنها إلى مقام إبراهيم عشر خطوات، وداخلها مفروش بالرخام الأبيض الناصع البياض، وتنور البئر من وسطها مائل عن الوسط إلى جهة الجدار الذي يقابل البيت المكرم، وعمقها إحدى عشرة قامة حسبما ذرعناه وعمق الماء سبع قامات، وباب القبة ناظر إلى الشرق، وتنور بئر زمزم من الرخام قد ألصق بعضه ببعض إلصاقاً وأفرغ في أثنائه الرصاص. وكذلك داخل التنور وحفت به من أعمدة الرصاص الملصقة إليه إبلاغاً في قوة لزقه ورصه (32) عاموداً قد خرجت لها رؤوس قابضة على حافة البئر دائرة بالتنور كله، ودوره أربعون شبراً، وارتفاعه أربعة أشبار ونصف، وغلظه شبر ونصف، وقد استدارت بداخل القبة سقلته سعتها شبر وعمقها نحو شبرين، وارتفاعها عن الأرض خمسة أشبار، تملأ ماء للوضوء، وحولها مسبطة دائرة يرتفع الناس إليها، ويتوضأون عليها، ولها أي القبة مطلع على درج من عامود في الجهة التي تقابل باب الصفا، في النصف الأعلى من زمزم صندقة من قريضة الخشب عجيبة تألق الصانع فيها، وأحدث بأعلاها شبابيك شرجب من الخشب رانق الخلل والتفريج، و داخل شباك قبة زمزم سطح شبه نحل الصومعة وفي ذلك السطح يؤذن المؤذن الزمزمي. ويصف النقي الفاسي الموضع الذي فيه زمزم فيقول: وأما صفة الموضع الذي فيه زمزم فهو بيت مربع وفي جدرانه تسعة أحواض للماء يملأن من بئر زمزم فيتوضأ الناس منها إلا واحداً منها معطل وفي الحائط الذي يلي الكعبة شبابيك وهذا البيت مسقوف بالساج ما خلاف المضوع الذي يحاذي بئر زمزم فإنما عليه شباك خشب ولم أدر من عمل هذا الموضع على هذه الصفة وهي الضفة التي ذكرها الإمام الأزرقي فيه. يتضح من قول الفاسي أنه قد جرت عمارة في بيت زمزم بعد عصر الأزرقي، وهذا الأمر ليس بشيء ببعد في الخلافة إلى زمن الإمام الفاسي كثير من الخلفاء ومعضمهم من العباسيين، والعباسيون لهم ولع زائد لأن السقاية كانت للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه جدهم وهي أعظم مفخرة لهم، ولا بد أنه قام بئر زمزم وبيت زمزم كثير منهم. وفي رجب سنة 822هـ وكان القائم بأمر مصروف هذه العمارة الجانب الكبير العالي خواجه شيخ محمد عبد الكريم الجيلاني نزيل مكة المشرفة.
وكان إلى جانب هذا البيت خلوة فيها بركة تملأ من زمزم ويشرب منها من دخل إلى الخلوة، وكان لها باب إلى جهة الصفا ثم سد وجعل في موضع الحلوة بركة في جدارها الذي يلي الصفا زيازيب (بزابير) يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت عند الزبازيب وفوق القبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة وشباك إلى جهة الصفا وطابق صغير إلى البركة. وكان عمل ذلك على القبة في سنة 7 - 8هـ ثم هدم ذلك حتى وقع الأرض في العشر الأول من ذي الحجة سنة 817هـ، لما قيل بعض الجهلة من العوام يستنجي هناك، وعمر عوض ذلك سبيلاً لمولانا السلطان سلطان الأعظم سليمان وذلك في أواسط سنة 973هـ وقد تجدد الدائر والرصاص برخام وحديد في والسلطان عبد الحميد خان ثم في زمن مولانا السلطان عبد المجيد خان.
يقول الكردي: وقد صدر الأمر من السلطان أحمد الأول بن السلطان محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليمان الأول بن سليم الأول فاتح مصر يعمل شباك حديد يجعل في بئر زمزم لمنع الغرق في البئر فجعل على قدر تدوير البئر وجعل له ست سلاسل وربطت بالحديد في دائرة البيت الأعلى المذكور في داخل البئر وعمار الماء فوقه قد ثلثي قامة فصار من يقع في البئر يمنعه الشباك من أسلاك وقبل وضعه كان من يقع في البئر يغرق ويموت، ومما يذكر أنه ورد الأمر السلطاني الأحمدي على يد الباشا الأعظم حسن أفندي بفعل شباك من حديد ونحاس مستدة في بعضه البعض على قدرته وبرغم بئر زمزم سقل بستة سلاسل غلاظ مسبوكة في الحديد الفوقاني الدائر على فمها مشاهدة لكل واحد طول كل واحد عشرين ذراعاً وربع، بذارع اليد، وصار الماء طافياً على الشباك المذكورة نحو ثلثي قامة وركب في سنة 1،25هـ، قم وقع عام 1027هـ تغير ماء زمزم من الحديد والنحاس المجعولين في الشباك وإذا وقع الدلو أسفل الشباك أمسكه أن يصعد فأنفق مجيء الأفندي السيد الشريف محمد بن السيد مصطفى القناوي ليلة من الليالي فأنكر طعم الماء وسأل عن الحال فأخبر بأنه بسبب الشباك والسلاسل ووقع الدلو مع وقع فاشتبك ولم يطلع مفدي إلى الجهة الأخرى فوقع ما أراد الله سبحانه وتعالى كذلك، وزاد طعم الحديد والنحاس في الماء فأمر صبحته بقلعة وأخرجه من زمزم وهو السلاسل وألقي عنه قبة العباس والسلاسل في داخله مدة من الزمن وزال ذلك الطعم وتيسر طلوع الدلو ونزوله.
وجاء في منائح الكرام أن سليمان بك صنجق جده غير قبة زمزم سنة 1072هـ ويصف الكردي بيت زمزم من ذلك الحين فيقول: وفي بيت مربع وفي جدرانه ثمانية شبابيك ثلاثة مواجهة للكعبة وثلاثة جهة المدرج واثنان بجانب الباب، والباب في وسط وفي هذين الشباكين حوضان تملآن من زمزم للشراب وفوق قبة البئر بيت آخر مقام على أعمدة لشيخ زمزم أي رئيس المؤذنين يصعد إليه بدرج من جهة الحنبلي فيطلع رئيس المؤذنين وهو شيخ زمزم ليؤذن ويتبعه شيخ زمزم ليؤذن ويتبعه سائر المؤذنين في جميع الأوقات.
ويضيف الكردي أنه في سنة 1112هـ عمر إبراهيم بك دائرة بئر زمزم بالتليس والتبيض خارجاً وداخلاً ثم غير الرفوف الخارجي على بئر زمزم مما يلي مقام الحنبلي وحددوا أخشابه التي على الطبقة العليا محل المكبرين وجددوا ما كان يحتاج إلى تغيير وطلوا حلتها بالذهب وحددوا المقامات وسقاية العباس فإنها خربت من كثرة الأهوية وتطاول السنين ونقضوا القبة جميعها إلى الناس وجددوها بالحجارة الشمسية وزينوها بأنواع التبييض وجعلوا لها خزانين وفتحوا لها طاقة من الجهة الشرقية وجعلوا لها طاقة من الجهة الشرقية وجعلوا لها من باطن الطاقة حوضا للسبيل ورمموا الحاصل الذي ملاصق للقبة. في مدة السلطان عبد الحميد الأول سنة 1255هـ حصل تعمير في المسجد الحرام بتعديل بعض العواميد المائلة وتعمير: بعض القبب التي في سقف المسجد وتعمير بئر زمزم وتعمير أيضاً في بعض منائر المسجد، ويقول الكردي: وقد جددت في زماننا شبابيك بيت زمزم – ورخام أرضها وأصلح فمها والدرابزين الذي على فم البئر كل ذلك على سيد سيدنا الشريف عبد الله بن الشريف بن محمد بن عون والحاج عزت باشا في سلطنة السلطان عبد العزيز خان وكان ذلك العمل في سنة 1279هـ.